شبهات و بينات - عبدالباسط يحياوي

الخميس، 17 أكتوبر 2019

thumbnail

مفهوم ليلة القدر



شهر رمضان  أو شهر الصيام الذي تصومه هذه الملّة ، صوما  تقليديا أو عرفيا والذي يتجول عبر الأشهر و المواسم، فإن ما يميزه هو ليلة القدر ، والله سبحانه و تعالى أنزل سورة باسم هذه الليلة ( سورة القدر ) وهي سورة مشهورة بين المسلمين وتقرأ آلاف المرات في العشر الأواخر من رمضان . هذه الليلة قيل عنها الكثير و الكثير وهي تتكرر كل سنة لذا وجب  فهم هذه السورة بعد طرح بعض الأسئلة :
-
هل هذه السورة تتناسب ومع ما جاء في المصحف؟  وكيف أنه في ليلة القدر تنفتح أبواب السماء ومن أدركها تتغير حياته في المستقبل ؟ علما أن الله قد حددها سلفا كما يقولون .
- هل هذه الليلة خاصة بملة محمد(ص) فقط فيها تنفتح أبواب السماء ويستجاب فيها الدعاء...الخ بينما هذه السورة تصنف ضمن الآيات الآفاقة (وهي عالم الربوبية و الخلق والملائكة و أنواعهم و مستوياتهم وأدوارهم والقوانين الكونية  المنسجمة).
-
هل ليلة القدر هي ليلة مرتبطة بشهر رمضان ؟ فالسورة ليس فيها إشارة إلى هذا الشهر .
-
هل مصطلح القدر هو تقدير أٍرزاق مستقبلية لكل البشر أم لملة محمد (ص) ؟ وما هو مصير الذي لا يقوم بــ" طقوس" تلك الليلة من بكاء و تضرع  وسهر وتكرار قراءة سورة القدر وقراءة القرآن من أجل بناء مستقبل السنة القادمة ( المادي، العلمي، الصحي، الانتصار على الأعداء، قضاء الحاجات..... الخ) فهل هذا يشمل ملة محمد ( ص) أم يتعدى ذلك ليشمل بقية الملل؟
-
ملة محمد (ص) منقسمة إلى مذاهب فجزء منها يقول في الليالي الزوجية و الأخرى تقول فردية فأيهما نتبع ؟
-
ليلة القدر خير من ألف شهر، هل الشهر المقصود به هو الشهر المتكون من أيام معدودة أم مرتبط بمفهوم آخر؟ .
-
هل البكاء والتذرّع والخشوع  في هذه الليلة وقراءة القرآن تكون  نتيجته تغيير إرادة الله سبحانه وتعالى وبالتالي الله يستجيب للذي بكى ولا يستجيب للذي لم يبكي في تلك الليلة ؟ فأين العدل في ذلك؟.
-
هل مصطلح ليلة يعني في الليل بحكم أن اليوم فيه ليل و نهار أم المقصود هو أنه بعد هذه الليلة هناك حدث سوف يصير أي الليلة التي تسبق ظهور حدث ما ؟
كل التفاسير والمفهوم السائد لدى هذه الملة ، أن المقصود" أنا أنزلناه في ليلة القدر" هو القرآن بالرغم أنه لا يوجد في السورة ما يشير إلى ذلك .
-
التركيب أنزلنا بدون هاء الضمير ورد 54 مرة في المصحف كلّه . مرتان فقط وردت لفظة أنزلناه في سورة الإسراء قال تعالى وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وفي سورة القدر بدون قرينة عن الشيء المنزل، أما البقية فبعضها بدون ضمير (َقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) الفرقان . والبعض الآخر مرتبط بضمير المؤنث الغائب( سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) النور. والبعض الآخر مرتبط بضمير المذكر الغائب للشيء المنزل ( قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (97) .البقرة
-
في العديد من الآيات ورد الشيء المنزل مثل الكتاب، القرآن، حكما عربيا، الذكر، النور المبين، آيات بيّنات، التوراة، الماء، اللّباس، الحديد، جند، المن و السلوى، الرجس، المائدة ... فلماذا أختار المفسرون ويصرّون أن المقصود به هو القرآن ؟ لماذا ليس الذكر أو النور المبين أو المائدة ...إلخ بالرغم كما قلت ليس هناك قرينة في السورة تشير إلى القرآن.
- 16
مرة وردت إنّا أنزلناه التي تفيد التوكيد في المصحف مثل إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف. وقال تعالى وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ(37) الرعد.
-
إذا كان المقصود القرآن ، فهو يتكرر كل سنة في ليلة سماوية معيّنة خاصة بالمسلمين عموما وبالنبي تحديدا وفي هذا الفهم تناقض .
-
ما علاقة نزول القرآن بهذه الليلة المميزة والتي يستجاب فيها الدعاء ويتحدد مصير السنة القادمة، فهل بقية الأيام و الليالي لا يستجاب فيها الدعاء ؟.
-
إذا كانت هذه الليلة مقدسة و يستجاب فيها الدعاء أيعقل كل هذه العقود التي مرت على هذه الأمة وما عانته من ويلات وتخلف أليس هناك أحد أدرك هذه الليلة و طلب من الله واستجاب له أن يحسّن حالها ويخلصها من الطغاة وتتحول إلى أمة متحضرة وراقية وعظيمة ؟ فهي في كل سنة تتدهور وتتقهقر إلى الوراء.
-
مادامت هي ليلة واحدة لماذا التأكيد على السلام والذي يتواصل حتى طلوع الفجر؟ علما أن معظم دول "العالم الإسلامي " فيه حروب وقتل ، ففي شهر رمضان لا تتوقف الحروب و التفجير و سفك الدماء، فهم لا يحترمون هذا الشهر الذين يقولون أنه فيه ليلة مباركة ومقدسة ، هم لا يعطون اهتماما لا للشهر و لا لهذه الليلة و لا للأشهر الحرم.
عموما التفاسير عاجزة عن الإجابة عن هذه الأسئلة و السبب عدم فهمهم لهذه السورة و لبقية السور إن لم نقل المصحف كلّه.
معنى السورة سيتضح بعد تدبرنا لألفاظها وفهمنا لها ، والنتيجة ستكون مغايرة لما هو سائد ولما هو متعارف عليه وهذا راجع إلى كلمات السورة ومعانيها وسياق الآيات
-
 إنا أنزلناه يفيد أن هناك أمرا قد تمّ إنزاله في الماضي في ليلة مقدرة وواحدة وتمّ إنزاله مرة واحدة فقط ولو كانت العملية متكررة لقال تعالى إنا ننزّله في ليلة القدر ( صيغة المضارع المستمر) مثل قوله تعالى وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (21) الحجر . فهنا التنزيل من خزائن الرحمان متكرر و مقدّرة أي بحساب.
-
 المتعارف عليه أن الليل يمثل فترة سكون وراحة للطاقة وتمهيد لبداية انطلاقها لاحقا كما أنه يمثل فترة تحضير خطط وبرامج لتنفيذها لاحقا. وفي القرآن، الليل دائما يسبق النهار وهو المسيطر عليه « الليل نسلخ منه النهار" والنهار يمثل انطلاق الطاقة وظهورها، فالليل سكنا و النهار معاشا.
-
 الليلة هي فترة محددة من الليل مثال ذلك نقول ليلة السفر أو ليلة التخطيط...إلخ
-
 القدر هي تقدير الأمور و الأشياء ضمن إطار وحدود معينة. والقدر مشتقة من قَدَرَ ومنها القَدَرُ في علم الكلام وهي إشارة إلى  خروج و بروز الممكنات من العدم إلى الوجود مدبرا و محكما وفق علم الله و مشيئته ،
 القِدْرُ وهو إناء الطبخ والذي يحتوي على قدرٍ من المادة ضمن مساحة معينة و محددة ذات مكونات وحرارة معينة وفي زمن معين ينتج لنا شيء محدد لذا سمي بـــ "القِدْرُ"  لأن تصير فيه عملية تقدير .-
-  ليلة القدر هي تلك الفترة المحددة التي تمّ فيها تقدير بعض الأمور والنسب بهدف خلق أو إنشاء كون أو تطوير حالة أو وجود معين وهذا يجعلها ليلة واحدة مهما كان طولها ولا تحدد بزمننا نحن ، ليلة واحدة انتهت بالفجر مهما كان طول هذا الليل كما قلت .
- الشهر مشتق من شَهَرَ يشير إلى كتلة واسعة الانتشار والظهور يخضع لنظام و قانون معيّن يظهر و يتكرر طبقا لقانون واقعي نمطي ومتكرر أو يظهر بشكل مستقل كلما اقتضت الضرورة ولذا يكون الشهر الذي نعرفه هو تقويم حسابي يخضع لنظام معين و يتكرر كل مرة وفق القانون الذي يقوم عليه . فاللفظ شهر يناسب الاتساع و الانتشار مثل لفظة الشهرة والتشهير و الإشهار والمشهور كلها مشتقة من شَهَرَ فما يميّز الشهر هو الاتساع والشمول الواسع والتكرار وخطة لتخصيص واقع معيّن .
- خير، هو كل ما يعبّر عنه عن الرخاء والراحة والانسجام مع الواقع بطريقة صحيحة كالمال والربح والتطور المعنوي و المادي ...
ولفظة "خير من" تأتي كتخصيص أو كتفضيل، وقد وقع المفسرون في فخ عدم فهم هذا اللفظ واعتبروه صيغة تفضيل أي فسروا خير من بأحسن أو أفصل من. ورد لفظ خير من في المصحف 16 مرة و04 مرات بصيغة "خير مما" بالنسبة للتفضيل كقوله تعالى قوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (26) البقرة.
أم للتخصيص كقوله مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ..... البقرة (105)
ليلة القدر هي عبارة عن خير مأخوذ من ألف كتلة كبيرة وواضحة قائمة على أساس قانون معيّن ويكون هذا الأخذ بطريقة التخصيص عبر خطة وتكرار بعض المأخوذات بشكل نمطي. ولفهم هذا نأخذ المثال التالي: الأبجدية العربية تتكون من 29 حرف ومن هذه الأبجدية يمكننا استخراج آلاف بل تصل إلى الملايين من المفردات (13 مليون مفردة) فمثلا نقول أن المقالة  هي نص مكون من 29 حرف وحركات و علامات . فبإمكاننا أن نعيد الجملة بالصيغة التالية : المقالة خير من 29 حرف وحركات و علامات . أو نقول ليلة المطر خير توزع من أربع ساعات أو بطريقة أخرى نقول ليلة المطر خير من أربع ساعات.
 "
ليلة القدر خير من ألف شهر" هو أن هناك مواد أولية معروفة و مشهورة ومشخصة للملائكة أُمِرُوا أن يأخذوا منها مكونات و يجمعونها بقدر و حساب ومنوع ومتكررة حيث يأخذون نسب معينة من هذه المواد المختلفة لإخراج تكوين  وجزء آخر من المواد ووضعها بالمادة الأخرى وهكذا... وبالتالي سوف يخرج كم هائل من المكونات والتي عبّر عنها الله بالخير المنبثقة من ألف شهر (الانتشار و التوسع) وهي أساس و أصول الكون .
 فليلة القدر هي وضع المعايير المخصصة وضمن الخطة الإلهية وإنزالها من عالم التصور إلى عالم التكوين (جمع العناصر بقدر مع بعضها لخلق الكون) وكله بإذن الله أي كل عنصر من عناصر الخلق تخضع لقانون صارم ودقيق والذي سينتج هذا الكون الدقيق والمتنوع .
ففي تلك الليلة المحددة بقيت هذه المكونات و المقادير والنسب راكدة وفي سكينة وفي انسجام تام بحيث لم تتفاعل مع بعضها واستمر الحال إلى حدود ساعة الصفر ، وهي ساعة الانفجار الكبير حيث بدأ فيها التفاعل بين هذه المواد ( الفجر) فتشكل لنا الكون .
- ليلة القدر قد تتكرر من جديد لخلق أكوان أو مجرات أخرى أو إعادة خلق الكون من جديد .
ففي سورة الدخان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) هذه الآيات  تتحدث عن نفس الليلة ، والكتاب المبين ليس كما فهموا القرآن وإنما الكتاب هو مجموع عناصر مختلفة اجتمعت لإخراج شيء ما  وهذا معنى الكتاب ،  وسورة الفجر كذلك تتحدث عن خلق الكون ( الانفجار الكبير) وما تلى ذلك من تكون لمختلف العناصر و المواد وتفاعلها مع بعضها في إدارة هذا الكون .
خلاصة القول أن ليلة القدر تسبق ظهور نهار الكون وهذه الليلة في غاية الأهمية حيث جرت فيها أمور عظيمة وذلك كله باسم الله .

Subscribe by Email

Follow Updates Articles from This Blog via Email

No Comments

About