شبهات و بينات - عبدالباسط يحياوي

الأحد، 3 فبراير 2019

thumbnail

النبي يوسف


تمّ ذكر قصة النبي يوسف في القرآن في سورة كاملة عكس قصص الأنبياء والرسل الآخرين وسمّيت باسمه، وهي قصة فيها الكثير من الأحداث.
ولكن هناك بعض المغالطات في تفسير بعض الأحداث إلى حد السذاجة. فكتب التراث والتاريخ أكدت أن يوسف عاش بين 1754 – 1635 ق.م بمصر زمن الهكسوس عندما كان بنو إسرائيل بمصر، وبدون حجج علمية تثبت ذلك تمّ شرحها شرحا بعيدا عن الواقع ، علما جلّ التفسير لهذه السورة مأخوذة من التوراة ، المكان والزمان اسم امرأة العزيز " زليخة " وأخ يوسف الصغير "بنيامين" إلى جانب أسماء إخوة يوسف... وكما ذكرت في العديد من المرات أن القرآن جاء ليصحح أساطير الأولين .
ولفهم القصة والعبرة منها علينا أن نضع الإطار العام للأحداث والأجواء السائدة في ذلك الزمان، وقبل ذلك علينا فهم بعض الألفاظ وشرحها لتناسب سياق الحدث في الآية ومن بينها:
-          سجود الشمس والقمر وبقية الكواكب ليوسف في المنام.
-          نصيحة سيدنا يعقوب لأبنه يوسف بعدم إخبار إخوته بهذه الرؤيا.
-          نزول الوحي عليه و هو صبي.
-          هل صحيح أن سيدنا يوسف أراد مواقعة امرأة عزيز مصر (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)
-          امرأة العزيز وإغوائها له.
-          من هو هذا الشاهد من أهلها؟
-          مسألة المتكأ الذي أعدته امرأة العزيز للنسوة وكذلك تقطيعهن لأيديهن بالسكين.
-          هل صحيح أن سيدنا يعقوب فقد بصره وأن قميص يوسف هو السبب في إرجاعه؟
-          هل صحيح أن يوسف عليه السلام جميل المظهر كما يروى؟
المكان والزمان للقصة:
يقول المؤرخون إلى جانب أهل التفسير أن النبي يوسف عاش في مصر زمن الهكسوس وحددوا الفترة الزمنية وعللوا ذلك باعتمادهم على بعض الآثار التي ليس لها علاقة بقصة سيدنا يوسف بل أسقطوها إسقاطا و هذا مجرد مغالطات وغير مطابقة للبحث العلمي لسبب بسيط هو أن مصر المذكورة في القرآن ليست هي مصر الحالية وهذه التسمية هي حديثة العهد (جمهورية مصر) والوثائق التاريخية تثبت ذلك.
نزول الوحي عليه وهو صبي:
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)
فسروا هذه الآية بأن الله سبحانه وتعالى أوحى له وهو في قعر البئر كما أوحى إلى جده إبراهيم من قبل، حين ألقاه أعوان النمرود في النار عارياً، فأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة، وألبسه إياه... هذا هو القميص نفسه أخرجه جبريل وألبسه ليوسف وهو في الجب... واخذ جبريل يؤنس وحشة يوسف، وكان ماء الجب يغنيه عن الطعام ببركة الله. هكذا بهذه السذاجة !!!
لقد فهموا الوحي، بأنه مربوط بجبريل ولنفترض ذلك فما هي الرسالة أو التشريع الذي جاء به إلى يوسف الغلام؟ لا سيما أن جبريل مهمته إنزال الوحي ورسالات الله سبحانه وتعالى على الأنبياء والرسل الراشدين وما تحتويه من أوامر ونواهي وشعائر وليس على الأولاد الصغّار. !! فالوحي نزل عليه لما بلغ أشده -     ﴿ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 23 ﴾
والوحي هو أحد أنواع المعرفة، وقد جاء في التنزيل الحكيم بعدة أنواع:
-          الوحي عن طريق برنامج ذاتي: وقد خضّ به كل الكائنات الحية أو في الظواهر الطبيعية ووظائفها، فهي تدخل في التركيب الجيني للخلايا﴿ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ﴾النحل أو البنية الوظيفية للأشياء﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا (5) ﴾الزلزلة.
-          الوحي المشخص: مثل ما حدث مع سيدنا إبراهيم ولوط مع ضيفيهما (المرسلين).فقد رآهما رؤية العين وتكلّم معهم وأوحوا له.
-          الوحي عن طريق توارد الخواطر: وهذا الوحي وارد لكل البشر حتى يومنا هذا وهو عندما يقع الإنسان في مأزق أو يفكر في مشكلة علمية تستحوذ على كل تفكيره، تأتيه فكرة أو خاطرة ما ، فيها الخروج من المأزق أو حلّ مشكلة علمية، وهذا النوع من الوحي جاء في الكتاب في قوله: ﴿وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين﴾ (القصص 7). وفي قوله تعالى: ﴿وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي﴾ (المائدة 111). وقوله لموسى: ﴿إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى﴾ (طه 38).

- الوحي للإعلام بالشيء في الخفاء : وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يفْتَرُونَ (112) الأنعام ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ 121 الأنعام. والشيطان و الجن ليسوا كما يعتقد الناس مخلوقات خفية ، بل هم بشر مثلنا ولكن لديهم قدرات معرفية وعلمية تفوق الإنسان العادي ويمكن توظيفها في أفعال الخير أو الشّر.
- الوحي للرسل والأنبياء: من المعروف أن الإنسان يمكن أن يفكر في مسألتين اثنتين في وقت واحد وذلك عن طريق الحواس ومن ثم إلى الدماغ حيث تصير عملية التحليل والتركيب " العقل" ثم بعدها يصدر أحكاما وكلّه بالاعتماد على الحواس. وهناك طريقة أخرى هي وصول المعلومات بدون المرور على الحواس لأنها بحد ذاتها تعتبر مصدر للمعلومة وهناك بحوث في هذا المجال و أطلق العلماء على هذه الظاهرة " الإدراك خارج الحواس " تعرَّف بأنها مجموعة من التأثيرات الخارجية تنتقل بواسطة غير معروفة، ويتم استلامها في منطقة غير معروفة في الدماغ، لكنها تأتي مترجَمةً على شكل إحساسات خاصة.

فالوحي لدى الأنبياء و الرسل هي معلومات تأتي من خارج دماغهم وذلك من خلال قوانين ولا علاقة للدماغ في ذلك، وهذا الوحي هو علم الله المجرد عن الحواس تمّ نقله موضوعيا إلى وعيهم والذين بدورهم بلغوا ما أنزل عليهم.
عموما ما يهمنا هو الوحي عن طريق توارد الخواطر، لذا فإن يوسف وفي المأزق والمشكلة التي يعانيها وهو في الجبّ تأكد له أنه في يوم ما سيقابلهم وسيعلمهم بفعلتهم هذه، والسبب غباء إخوته لأنهم أوقعوه بمكان يعتبر محطة رئيسية للقوافل المارة من هذا المكان والتي تتزود بالماء وهم يعرفون ذلك آملين أنه سيلتقطونه ويبيعونه في سوق النخاسة ويذهب من غير رجعة. ولكن تناسوا رجاحة عقله وذكائه وموهبته رغم صغر سنه، لذلك كان متيقنا وهو في الجبّ بأنه سيلقاهم في يوم ما وهذا الإحساس والشعور اليقين يقودنا إلى:
-          رؤياه في المنام التي أخبر والده بها وتشبيه والديه وإخوته بالكواكب حيث رآهم يسجدون له ولاحترامه لوالديه وأخلاقه العالية شبههم بالشمس والقمر ولم يقل له بأنني رأيتك أنت ووالدتي تسجدون لي والتي فهمها الشّراح التطامن الى الأرض، غير أن المسألة ليست كذلك فالسجود هنا هو وقوف والديه وإخوته احتراما له بحكم أنه ذو مكانة عالية، وهذا ما حدث فعلا في آخر القصة. وهذا راجع إلى فطنته ورجاحة عقله من هنا خاف عليه وفهم بأنه سيكون له شأن عظيم في المستقبل لذا طلب منه عدم إخبار إخوته.
يوسف الغلام تمّ بيعه واشتراه عزيز مصر وتربى في قصره مع بقية الخدم ولكن كان له مكانة خاصة باعتبار أن عزيز مصر تعامل معه كابن، وهذه الحالة تعطينا فكرة هامة وهي أن عزيز مصر لا ينجب الأولاد أي عقيم وآيات القرآن والأحداث تؤكد لنا ذلك، فعزيز مصر (رئيس الوزراء) ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الله سبحانه وتعالى قال في الآية لاِمْرَأَتِهِ ولم يقل لزَوْجَتِهِ وهذا الفرق بين المصطلحين يدّل على أن عزيز مصر ليس له أولاد لأن الزوجة للإنجاب بينما المرأة عكس ذلك . ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾القصص في هذه الآية كذلك يبيّن الله لنا أن فرعون عقيم وليس لديهم أولاد هو وامرأته.
-          يقولون أن يوسف آية في الجمال، وهذا سبب تعلق امرأة العزيز به وحبها له و انبهار النسوة حتى أنهن من فرط جماله قطّعن أيديهن بالسكين حين شاهدنه، ولكن الموضوع عكس ذلك وغير صحيح للأسباب التالية:
-          ﴿ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 23 ﴾
-          ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ90 قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ91 ﴾
-          ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾102
هذه الآيات وغيرها ليس فيها إشارة إلى جمال سيدنا يوسف والأحداث التي صارت له، فقد أوتي العلم وتأويل الأحاديث إلى جانب الحكم وهي النبوة، فلو كان معروف بجماله ومشهور به في المدينة  كما يقولون لعرفه إخوته منذ أن التقوا به أول مرة فسيدنا يوسف عرفهم وذكّرهم بفعلتهم.
-          يوسف عاش في القصر منذ الصغر وكبر فيه مع بقية الخدم وبطبيعة الحال عزيز مصر كان يستقبل الوزراء وكبار القوم وكان هو واحدا من ضمن الخدم الذين يخدمون الضيوف، فلو كان جميلا لذاع صيته منذ الصغر ولعرف بجماله في المدينة قبل حادثة النسوة وتقطيع أيديهن.
-          تأثر النسوة بحكمته ورجاحة عقله معا ولو كان السبب هو جماله فالمسألة هي نسبية تختلف من واحدة إلى أخرى.
-           في سورة يوسف تمّ ذكر ستة آيات تفيد عن رجاحة عقله وتأويله للأحاديث ولم يذكر الله آية تصف يوسف بالجمال.
يوسف وامرأة العزيز:
-          تربى يوسف في قصر العزيز وكبر فيه وكما قلنا أن عزيز مصر عقيم لذا اتخذه ولدا له، امرأة العزيز أعجبت به ولكن هل جماله هو السبب كما يروّج لذلك؟ نحن نعلم أن يوسف منذ صغره ذكي وذو حكمة وذو رجاحة عقل، فلديه معرفة بتأويل الأحاديث وهي موهبة ميزته وجلبت له العديد من المشاكل .
-           وردت في كتب التاريخ أن بعض العائلات الثرية  كان من حق المرأة أن تمارس الجنس مع عبدها وذلك من أجل الحصول على ذرية أفضل لا سيما إذا كان هذا العبد له ميزة خاصة (الذكاء، القوة الجسدية، ، البداهة ...)  وامرأة العزيز تريد ذرية من يوسف لا سيما أنها تعرفه حق المعرفة وما يتميّز به من ذكاء وفطنة ورجاحة العقل هذا من جهة ومن جهة أخرى هي محرومة من الذرية بسبب عقم عزيز مصر، ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) ﴾ .
-          امرأة العزيز أرادت أن تغير إرادة يوسف الثابتة أي قناعته (فكرة أن تنجب منه )،والمراودة لا علاقة لها بالجنس أو ما نسميه التحرش الجنسي وإنما تغيير إرادة وفكرة راسخة في الذهن وهذا نجده في الآية التالية عندما طالب يوسف إخوته بأن يجلبوا أخاه الصغير ﴿ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) ﴾ فالمراودة كما قلت لا علاقة لها بالجنس بل تغيير فكرة راسخة  .
-          يبدوا أن الأمر كان عاديا لدى بعض العائلات بينما تستنكره عائلات أخرى وتراه عملا مشينا لذلك بدأنا النسوة يتكلمن عنها بسوء في المدينة. فلما صارت الحادثة وعلم عزيز مصر بالأمر وإنها هي التي راودته غض الطرف عن المسألة فقد تساهل معها﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ30 وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ 31 ﴾.
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾.
في كتب التفسير اتفقوا وقالوا عن هذه الآية أن سيدنا يوسف همّ بها أي أراد أن يواقعها بعد إغوائها له غير أنه رأى برهانا منعه من ذلك واختلفوا فيه فمنهم من يقول رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت، فإذا كتاب في حائط البيت: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا). ابن كثير وآخرون يقولون أنه رأى والده النبي يعقوب ينهاه عن هذه الفعلة...
المسألة غير ذلك ، فامرأة العزيز انتهزت فرصة وجودهما لوحدهما في الغرفة فأغلقت الأبواب وطلبت منه أن يواقعها  بعد ما يأست من إقناعه ( المراودة) ، غير أنه رفض ذلك بشدة وبقوة، فقد جرت محاولة اغتصاب من طرفها (همت باغتصابه) وهو همّ بضربها لكنه لفطنته وذكائه عدل عن ذلك لأنَّه لو ضرَبَها لتورَّط بالتُّهمة في أنه هو الذي راوَدَها على الفاحشة، ولقذَفَتْهُ بالقبيح، وإنها امتنعت فضربها، لذلك سيصدِّق الناس ذلك الإدِّعَاء منها لوجود شهادة الضَّرب لها. وهذا هو برهان ربّه (الفطنة) والرؤيا ليست كما يعتقدون بالعين بل رؤيا ذهنية ( الفكرة).
من هو الشاهد في هذه الحادثة؟
يقولون إنه طفل رضيع شهد الواقعة ونطق بالحق هكذا فسروا﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)
لنفترض أن هذا الرضيع هو الشاهد على الواقعة، فلماذا يبيّن ويعطيهم دليل أو طريقة معرفة الحقيقة المتمثلة في القميص والتدقيق والبحث في المسألة، فكان بالإمكان أن يقول إنها هي التي راودته عن نفسه وينتهي الأمر لا سيما الشهادة آتية من رضيع وهي بحد ذاتها معجزة وهي حجة قوية في براءة يوسف. إذن صارت الحادثة، واتهم يوسف بأنه هو الذي بدأ رغم إصراره أنه بريء من هذه التهمة وقد احتار عزيز مصر، ولمعرفة الحقيقة إلتجأ إلى أهل الاختصاص وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا فالهاء تعود على صاحب الاختصاص في البحث وتقصي الحقيقة (أهل الخبرة)  مثل ما نقول اليوم خبير جنائي والشاهد غير الشهيد في التنزيل الحكيم وهذا مبحث آخر ، وليس كما فهموها من أهل امرأة عزيز مصر وبالأخير أعطاه الحل وهي مسألة القميص. لذا بعد معرفة الحقيقة قال عزيز مصر ليوسف بأن يغض الطرف عن المسألة بينما عاتب امرأته وأن تتوب على فعلتها.﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ 30﴾.
النسوة ومسألة تقطيع أيدهن:
ذاع خبر امرأة العزيز وشغفها بيوسف، وبدأت النسوة بالحديث والإساءة إليها لا سيما أنها ذات مكانة عالية في المجتمع (امرأة رئيس الوزراء)، وهؤلاء النسوة هن من الطبقة العليا والحاكمة (زوجات وزراء، كبار التجار، كبار القادة العسكريين...)﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ 31 ﴾. فهؤلاء النسوة رأوا في عملها هذا (مسألة الإنجاب من عبدها يوسف) أنه عمل مشين وغير مقبول ، لذا فكرت امرأة العزيز بأن تدعوهم إلى حفلة لتبرهن لهن عملها هذا وأنها على حق  ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) ﴾.
التفسير التقليدي والشائع لدى عامة الناس لهذه الآية، يتلخص بأن النسوة جرحن أيديهن حين مشاهدتهن يوسف وذلك من شدة جماله. وهذا التفسير ينّم عن جهل وعدم دراية بالقصة وتسلسل أحداثها بصفة عامة إلى جانب الألفاظ ودلالتها ومعانيها في الآية لأن هناك مصطلحات هي مفاتيح هذه الآية .
معنى السكين مشتقة من سَكَنَ: لسان العرب – ابن منظور
سَكَنَ: السكون: ضد الحركة. سكن الشيء يسكن سكونا: إذا ذهبت حركته، وأسكنه هو سكنه غيره تسكينا. وكل ما هدأ فقد سكن كالريح والحر والبرد ونحو ذلك. وسكن الرجل: سكت، وقيل: سكن في معنى سكت، وسكنت الريح وسكن المطر وسكن الغضب
فالسكين هي أصلها الْمُدْيَةُ وسميت سكينا لأنها تسكن الذبيحة عن الحركة (السكون).
اليد: مقاييس اللغة – ابن فارس
(يَدَّ) الْيَاءُ وَالدَّالُ: أَصْلُ بِنَاءِ الْيَدِ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَيُسْتَعَارُ فِي الْمِنَّةِ فَيُقَالُ: لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ. وَيُجْمَعُ عَلَى الْأَيَادِي وَالْيُدِيِّ. قَالَ: فَإِنَّ لَهُ عِنْدِي يُدِيًّا وَأَنْعُمَا
وقال ابن جني: أكثر ما تستعمل الأيادي في النعم لا في الأعضاء.
عموما اليد هي تعبير عن الملك والنعم لدى الإنسان ونقول عن الإنسان صاحب المال بذات اليد وهي وسيلة إنفاذ الإرادة. ومن المتعارف عليه إذا شخص ما تبرع بمال لمؤسسة ما ترد عليه برسالة شكر وتذيلها بــ "شكرا لأياديكم الكريمة" أو نقول عن الدولة بأنها تحارب الجريمة بيد من حديد (إنفاذ الإرادة) والأمثلة كثيرة.
قَطَّعَ وقَطَعَ فرق بينهما فــ قَطَّعَ بالتشديد هي عملية تقطيع متواصلة (تكرار الجرح) بينما قَطَعَ هي عملية التقطيع لمرة واحدة (جرح واحد).
بعد معرفتنا لبعض ألفاظ الآية وهي مفاتيحها، تتغير الفكرة والمفهوم السائد لهذه الآية. امرأة العزيز جاءها خبر ذم النسوة لها فاستدعتهم لحفلة وطمأنتهن وهدت من روعهن لأنهن استغربن لهذه الحركة لا سيما أنهن حكين عنها بسوء أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا فالسكين كما جاءت في المعاجم العربية هي السكينة والطمأنينة والهدوء، لذا تجاذبت الحديث مع كل واحدة فيما يخصها مثلا صحتها عن أولادها عن علاقتها مع زوجها أو أحوال تجارة زوجها الوضع العام للرعية والدولة ... الخ هنا اطمأنوا لها و حلت السكينة لديهن ، بعد ذلك أرادت أن تبرهن عكس ما كن يروجنه عنها فأمرت يوسف وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فما المقصود بهذه الآية ؟ الله سبحانه وتعالى لم يقل في الآية أخرج إليهن لأنه هناك فرق، فالخروج إليهن يعني الظهور والبروز إليهن بينما اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ هو أخرج ما عندك وأظهر لهن موهبتك في تأويل الأحاديث لتبيّن لهن رجاحة عقلك وفطنتك وذكائك من خلال حلّ بعض المشاكل أو قضية تعاني منها كل واحدة ، فأعطاهم الحل الأمثل وكيف تتصرف، وهذه المشاكل ربما تكون بسيطة متعلقة بالطبقات الراقية (علاقتها مع زوجها، تجارة، ....). هنا أعجبن به وبدأت عملية مزايدة بين النسوة لشرائه لأنهن رأينه بأن بشر غير عادي فتقطيعهن لأيدهن ليست كما فهموها جرحن أيديهن بالسكين ولو كان كذلك فعملية التقطيع تكون مرة واحدة وليست متكررة، زد على ذلك جوابهن المنطقي والمعقول الذي يدّل على حقيقة ما سمعنه بانتباه ووعي عكس ما يروج له بأنهن ذهلن من جمال يوسف ففقدن إحساسهن إلى درجة تقطّيعهن لأيديهن وهن لا يشعرن بذلك،﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ. ﴾.
فالنسوة تنافسن في شرائه باعتباره مملوك بسبب قدراته الذهنية وفطنته في تأويل الأحاديث، فهذه الصفات لا تناسب العبيد فبدأت المزايدة لذلك وقلنا عن الإنسان صاحب المال بذات اليد وهي وسيلة إنفاذ الإرادة ، والتقطّيع هي التكرار (فقد وقع مزاد على شرائه) وهذا يسمونه تقطيع الأيدي أي أن النسوة كل واحدة تقطع يد الأخرى. وفي اللغة المزايدة نقول عنها قطع اليد لأنه في حالات المزاد العلني، فان المزايدين يقطعون أيدي بعضهم بعضا بإضافة رقم أكبر من الرقم الذي زايد به الآخر، نقول فلان انقطعت عليه بضاعة ما بسعر كذا، إذا فامرأة العزيز أرادت أن تبرهن لهن أنها لديها عبدا مملوكا لا يقدر بثمن لذا رفضت عرضهن وفي التاريخ كانت هناك عائلات يتفاخرن بما لديهن من عبيد مميزين (حسن الصوت، الذكاء، إتقان بعض الأعمال...).
غير أن المسألة لم تنتهي عند هذا الحد، فالنسوة بعد سماعهن ليوسف وعرفن القدرات التي يتمتع بها تحول موقفهن المتمثل في استنكار العمل الذي قامت به امرأة العزيز (الإنجاب منه) إلى موقف داعم لها وهو محاولة إقناع يوسف لهذا العمل وهو مواقعه امرأة العزيز بل شاركن معها في ذلك فبدأن يراودونه عن نفسه بالقول والتشجيع والإغراء ربما بعتقه أو بالمال أو جعله ذو مكانة و رعاية خاصة بين العبيد ... ولا سيما أن عزيز مصر أصبحت لديه شبه قناعة لما لا يكون عنده ابنا يحمل مورثات ومواصفات يوسف، لذا رفض ذلك بشدة هذا العمل المشين ألا وهو الفاحشة و عدم خيانة سيده الذي رعاه وأحسن مثواه ﴿قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) ﴾.
لقد دبروا مكيدة ليوسف، النسوة وامرأة العزيز وعزيز مصر، وأدخلوه السجن والسؤال الذي يطرح نفسه ما علاقة عزيز مصر بهذا الموضوع؟ والسبب:
-          فهو رئيس وزراء وفي نفس الوقت عقيم، لذا أراد أن يكون له ولد من عبده يوسف يحمل مورثاته لكي يكون له شأن في المستقبل بأن يمثله كأن يرث منصبه في الوزارة.
-          لقد غض الطرف وهي إشارة على أنه موافق على مطلب امرأته.
-          بعد رفض يوسف لهذا المطلب، ولا سيما انه عبد يؤمر فيطاع إلى جانب انتشار الخبر ربما لدى عامة الناس بما فيهم كبار القوم فحزّ ذلك في نفس عزيز مصر وأغاظه.
-           الآية 35 تدل على ذلك ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ في هذه الآية قال الله ثُمَّ بَدَا لَهُم ولم يقل ثُمَّ بَدَا لَهُن بمعنى أن عزيز مصر تآمر عليه مع مجموعة من المقربين بحكم لديه سلطة عليهم (عبيد أو حرس...).
يوسف في السجن:
دخل يوسف السجن، وفي نفس الوقت خروجه منه بيده وهو أن يستجيب لطلب عزيز مصر وامرأته" ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ" لكن رغم ذلك آثر المكوث فيه ومرت الأيام والشهور إلى أن جاءت فرصة، وهي رؤية الملك في منامه السبع بقرات وتأويله لها من طرف يوسف، فأعجب الملك لذكائه وفطنته فقرّبه إليه وجعله مستشارا له، غير أن يوسف اشترط على الملك لقبول هذا المنصب أن تتم تبرئته من تهمة محاولة اغتصاب امرأة العزيز ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّلاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ(51) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ(52) ﴾. هذه الآية بدورها تؤكد لنا أن المسألة ليست متعلقة بجمال يوسف، فهل يعقل أن يرسل يوسف للملك ويقول إنه جميل وأن النسوة قطّعن أيديهن بسبب ذلك، بل أراد أن يبيّن له أن النسوة تنافسن فيما بينهن لشرائه ودفعوا مبالغ كبيرة في بيت العزيز فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّلاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، فهي قضية مشهورة فالمسألة متعلقة بمراودة يوسف عن نفسه من طرف امرأة العزيز وتشجيع النسوة له ليغيّر موقفه في ما يتعلق بمطلب إمراة العزيز "قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ". فقد تمت تبرئته وقرّبه الملك وأعطاه منصب رفيع في الدولة.
القميص وعودة البصر لوالده:
تقول التفاسير أن والد يوسف سيدنا يعقوب فقد بصره بسبب حزنه على ابنه ولما ألقوا قميص يوسف على وجهه رجع له بصره والسبب في ذلك هو رائحة يوسف بالقميص.﴿ اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ 94 ﴾.
ففي اللغة القميص يؤنث لأنه بالأساس هو رداء لذا نقول لبست قميصي هذه وفي الآية اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا
لسان العرب:
قمَصَ: الْقَمِيصُ الَّذِي يُلْبَسُ مَعْرُوفٌ مُذَكَّرٌ، وَقَدْ يُعْنَى بِهِ الدِّرْعُ فَيُؤَنَّثُ، وَأَنَّثَهُ جَرِيرٌ حِينَ أَرَادَ بِهِ الدِّرْعَ، فَقَالَ:
تَدْعُو هَوَازِنَ وَالْقَمِيصُ مُفَاضَةٌ     تَحْتَ النِّطَاقِ تُشَدُّ بِالْأَزْرَارِ
في هذا البيت لا يقصد به الدرع سواء كان من الحديد أو من الجلد فكلاهما لا يشد بالأزرار وإنما بخيوط جلدية. وقد قصد به القميص لذلك أنثه تُشَدُّ بِالْأَزْرَارِ.
مقولة يعقوب﴿ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ 95 قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ 96 ﴾.
فما علاقة الضلال القديم بقميص يوسف؟ وما هو هذا الضلال؟ فسيدنا يوسف كان يذّكر أبنائه بيوسف وخصاله، (حكمته، ذكائه، أنه كان أفهمكم...) وليس أنه كان يقول لهم كل يوم إني أشتم رائحة يوسف!!... 
الريح لا يقصد بها الرائحة، فالريح هي القوة وقد عبر الله عنها في الآية التالية﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) ﴾. الأنفال
﴿فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)
انفصلت القافلة التي أرسلها يوسف إلى أهله واتجهت نحو مضاربهم والبشير ما هو إلا مبعوث أو رسول يوسف وليس شخص من عائلته أو كما فهموا واحدا من إخوته، وهذا البشير يحمل راية فيها شعار الدولة وهذا هو القميص وبشره بأنه من طرف يوسف ابنه الذي يشغل منصب عزيز مصر وهو يحمل معه رسالة فالتقى بسيدنا يعقوب وأوصل كلام أو توصيات يوسف بدون زيادة أو نقصان . أما مسألة إلقاء القميص على وجهه والتي فهموها بأنه وضعه عل وجهه ليبصر من جديد فهذا بحد ذاته فيه نوع من السذاجة، فبإمكان يوسف أن يعطيه لأحد من إخوته  ويفعل الشيء نفسه. زد على ذلك فهم الشراح من هذه الآية أن اخوة يوسف رجعوا و معهم قميص آخهم وما هذا القميص السحري الذي يرجع الأبصار..؟؟؟
الله سبحانه وتعالى لم يقل فارتد مبصرا، فسيدنا يعقوب كان لديه بصيرة بما سيحدث ولديه يقين بأن يوسف على قيد الحياة وسوف يكون له شأن عظيم بسبب تلك الرؤيا، فمن غير المعقول نبي يفقد بصره من شدّة الحزن، بل بالعكس فهو شديد الصلابة ويتميز بنفسية متماسكة، وكان ينصح أبنائه عن كيفية تقصي الحقيقة بأن يذهبوا الى المدينة ويتفرقوا فيها ويسألوا الناس ، فالإلقاء هو الإيصال التام وليس الرمي وقد اختلط هذا اللّفظ لدى الشرّاح وربطوه بحادثة الجب قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ أي رموه بالبئر، فمن جهة اتفقوا على عدم قتله ومن جهة ألقوه في البئر فهذه العملية هي نوع من القتل، غلام صغير سوف يقتل عند رميه فيه وإنما ربطوه بحبل وأنزلوه. لقد صارت عملية إيصال تامة. وكما حدث مع أم موسى﴿ وأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) ﴾القصص. والمقصود أن تضعه في صندوق خشبي أو سلة من القصب أو أي شيء يحمله الماء وتضعه في النهر (عملية إيصال تامة) وليس أن ترميه في اليم وهو رضيع.
سجود إخوة يوسف ورفع أبويه على العرش:
السجود: تعطيل إرادة أمام إرادة أخرى، فالمصلي عند سجوده في الصلاة تكون إرادته معطلة تماما لأنه في لحظة خشوع وأسلم أمره لإرادة أخرى وهي إرادة الله سبحانه وتعالى.
وقد وردت لفظ سجد ومشتقاتها في العديد من الآيات:
﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) ﴾البقرة
كما هو معروف السجود هو الاطمئنان أثناء الصلاة وهو أن تكون جبهة المصلي ملتصقة بالأرض، لكن كيف تتم عملية الدخول من الباب وهم ساجدون؟ هل ستتم هذه العملية زحفا على جباههم !!! ..؟
في هذه الآية هناك طلب بدخول هذه القرية والمكوث فيها والتمتع بخيراتها أما مسألة الباب ليس المقصود به باب القرية وإنما هو باب معنوي ومطالبين بالالتزام بقوانين وشرائع هذه القرية وتتخلوا عن إرادتكم مؤقتا (قوانينكم أو شريعتكم الخاصة بكم) سجدا وقولوا حطة، مثل اللاجئ أو المهاجر الذي يجب أن يسجد لقوانين البلد المضيف (يلتزم بقوانينها) فهو لديه الحرية بالعمل والإقامة فيها.
 ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ (70) ﴾طه
﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) ﴾الشعراء
في الآية الأولى من سورة طه صارت عملية السجود مرة واحدة (سُجَّدًا) والسجود هنا هي أن إرادة السحرة تعطلت أمام إرادة أخرى وهي البرهان والدليل الذي جاء به سيدنا موسى لذلك قال الله فَأُلْقِيَ غير أَلْقَى (قوة خارجية جعلتهم سجدا وهو البرهان والدليل).
أما الآية الثانية من سورة الشعراء أن عملية السجود تكررت عدة مرات (سَاجِدِينَ) مثل لفظ صابرين، كاتبين﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) ﴾الانفطار هنا يدل على تواصل الحالة. فعملية السجود تكررت العديد من المرات ومتواصلة لذلك قال لهم فرعون أنا لم أذن لكم بالسجود أي الإيمان به ونفهم من ذلك أن القصة انتهت منذ يوم الزينة والسحرة آمنوا برسالة موسى وأصبحت إرادتهم خاضعة لإرادة ما جاء به.
﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) ﴾يوسف
﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ... ﴾100 يوسف
سيدنا يوسف رأى أبويه وأخوته في المنام يسجدون له باستمرار، وأخبر بذلك والده وقد شبههم بالكواكب وذلك لأدبه واحترامه لأبيه بأن يقول له لقد رأيتك تسجد لي أنت وبقية اخوتي، أما إخوته فقد خروا له سجدا فقد تخلوا عن إٍرادتهم نظرا لمكانته المرموقة في البلاد (وزير) التي يشغلها سيدنا يوسف وأصبحوا تحت قانون جديد مجبرون أن يحترموه ومثال ذلك عندما يريد شخص ما أن يقابل مسؤول كبير أو وزير فأنه مجبور أن يتخلى عن إرادته مؤقتا ويلتزم بالبروتوكولات الجاري بها وهذا نوع من السجود.
أما مسألة رفع أبويه على العرش لا يعني بها وضعهم على كرسي العرش، فالعرش له مفهومان مادي ومعنوي أو الاثنين معا، فالمادي مثل عرش الكروم، عرش البيت وعرش الملك أما المعنوي جملة من الأوامر الصاعدة والنازلة بعد تخطيط، أي شخص في الأعلى وجهة في الأسفل وبينهما علاقة أوامر وتوجيه. فسيدنا يوسف استثنى أبويه من هذه المسألة وأعطاهم الحرية في التصرف وغير خاضعين لأوامر ابنهم سيدنا يوسف، وهل يعقل أن يسجد نبي وينحني لشخص مهما كانت منزلته .؟
قصة يوسف هي قصة لمملوك مستضعف، مرّ بمحن ومشاكل وعرف كيف يتصرف وليس كما صورتها التفاسير وما انجر عنها من صورة في أذهاننا بأن يوسف عبارة عن مَلَكَ وأنه آية من الجمال ويحل كل المشاكل بل بالعكس هو إنسان لديه رجاحة عقل وذو فطنة ويعرف كيف يتصرف وقد أيده الله بنبوّة، والأنبياء أرسلوا لحل مشاكل الناس ومساعدتهم.

Subscribe by Email

Follow Updates Articles from This Blog via Email

5 Comments

avatar

يعطيك العافية اخوي على هاذا الشرح الرائع . ولكن هاذي هي بالظبط افكار الدكتور قصي هاشم فاخر كنت اتمنى أن تنسب له ذلك إلا إذا إذا كان توارد خواطر.

Reply Delete
avatar

اول مرة أشوف حدا معترض على جمال سيدنا يوسف
كل الأمة تتكلم عن قصته وجماله وأصغر طفل يقدر يروي قصة سيدنا يوسف
بصراحة مش مقتنعة بكلامك

Reply Delete
avatar

المسألة ليست اعتراض أو موافقة ، فكل المة تسوقها كتب وشيوخ لا يعلمون ولا يعرفون معنى التدبّر فالمصحف إمامنا :
- ﴿ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 23 ﴾
- ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ90 قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ91 ﴾
- ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾102
هذه الآيات وغيرها ليس فيها إشارة إلى جمال سيدنا يوسف والأحداث التي صارت له، فقد أوتي العلم وتأويل الأحاديث إلى جانب الحكم وهي النبوة، فلو كان معروف بجماله ومشهور به في المدينة كما يقولون لعرفه إخوته منذ أن التقوا به أول مرة فسيدنا يوسف عرفهم وذكّرهم بفعلتهم، المسألة الأخرى يوسف عاش في القصر منذ الصغر وكبر فيه مع بقية الخدم وبطبيعة الحال عزيز مصر كان يستقبل الوزراء وكبار القوم وكان هو واحدا من ضمن الخدم الذين يخدمون الضيوف فلو كان جميلا لذاع صيته منذ الصغر ولعرف بجماله في المدينة قبل حادثة النسوة وتقطيع أيديهن. تأثر النسوة بحكمته ورجاحة عقله معا ولو كان السبب هو جماله فالمسألة هي نسبية تختلف من واحدة إلى أخرى. أضف إلى ذلك أن في سورة يوسف تمّ ذكر ستة آيات تفيد عن رجاحة عقله وتأويله للأحاديث ولم يذكر الله ولا آية واحدة تصف يوسف بالجمال.

Reply Delete
avatar

هذه فلسفة وتفسير به كذب كثير يبدو أن المفسر نسي ان وقت نزول سورة يوسف على سيدنا محمد كانت مصر بنفس الاسم مصر جاب منين جمهورية مصر

Reply Delete
avatar

تنعتني بالكذاب وهذا ينّم عن الجهل الذي أنت غارق فيه عموما وهذه نصيحة سور المصحف لم تذكر لا الأماكن ولا الأزمنة التي وقعت فيها الأحداث التي صارت مع الأنبياء و الرسل فالمصحف ليس بكتاب تاريخ بل هو كتاب معرفة
تحياتي

Reply Delete

About