شبهات و بينات - عبدالباسط يحياوي

الاثنين، 24 ديسمبر 2018

thumbnail

النبي يونس و الحوت





التفسير يقول وباختصار أن النبي يونس دعا قومه الى التوحيد وعبادة الله فلم يستجيبوا له فتركهم وركب الفلك مع جماعة ثم تم إلقاءه في البحر بعد سحب عمليات قرعة لسبب من الأسباب فجاء الحوت فألتقمه (ابتلعه) واستقر في بطنه، ففتح عينيه فعرف أنه في بطن الحوت فنادى في الظلمات وبدأ يدعو ربه ويستغفر ولولا تسبيحه لظل في بطن الحوت الى يوم القيامة ثم لفظه فوجد نفسه في العراء وأنبت الله عليه شجرة اليقطين لكي يبعد عنه الذباب بسبب ما علق به من سوائل ومخاط الحوت ...  كل هذا، أن الله أمر الحوت ألا يأكله زد على ذلك أن الملائكة سمعت تسبيحا عجيبا وغريبا وكيف أنهم ذهبوا إلى الله سبحانه وتعالى وأخبروه بذلك فقال لهم ذلك عبدي يونس أردت أن أعاقبه لأنه عصى أمري !!! لماذا؟ لأنه ذهب مغاضبا إياه... !!!! والقصة معروفة عموما.
هذه العقوبة التي عاقب الله بها نبيّه سيدنا يونس لا ترتقي إلى الذنب الذي اقترفه، وهي ابتلاع الحوت إياه ، فمثلا سيدنا موسى عليه السلام قتل نفسا، صحيح عن غير قصد ولكن في الأخير عفي الله عنه ولم يعاقبه، مثال آخر السامري هو ليس بنبي ولكن غيّر عقيدة كاملة ،أضل بني إسرائيل بعبادتهم للعجل وما كان جزاءه؟ أن تركه سيدنا موسى ولم يعاقبه. المسألة الأخرى لو كان الحوت من سمك القرش  أو الحوت القاتل ORCA  لمزّقه و قطّعه وليس الابتلاع ، أما إذا كان من نوع الحوت الأزرق أو العنبر فهذه المخلوقات غير لاحمة فهي تتغذى على العوالق و أنواع صغيرة تشبه الجمبري القشريات( يأكل الحوت الأزرق بوساطة الاندفاع باتجاه مجموعات الإيفوزيات، مما يؤدي إلى دخول هذه الحيوانات بالإضافة إلى كميات كبيرة من الماء في فمه، ثم يقوم الضغط القادم من الكيس البطني واللسان بعصر الماء من بين صفائحه البالينية، وعندما يتفرغ فمه من الماء، فإنه يقوم بابتلاع الإيفوزيات المتبقية في فمه، والتي لم تتمكن من المرور من خلال الصفائح البالينية.  4 طن يوميا). أضف إلى ذلك هل الحوت سيبقى إلى يوم القيامة وسيدنا يونس في بطنه حيا يرزق !!!... ؟؟؟.
التفسير التقليدي والراسخ في أذهان الناس يعاني العديد من الخلل وغير منطقي، فلقد وردت العديد من الألفاظ في القرآن تعتبر هي مفتاح هذه القصة وإذا فهمناها وفق سياقها في الآية لتغيّر المعنى والمفهوم السائد المتعلق بهذه القصة مثل الحوت، ذو النون، التسبيح التلقيم، البطن الظلمات، يوم يبعثون...

معنى كلمة حوت
الحوت في المعاجم العربية تدل على السمكة والحوت في نفس الوقت (وهذا الأخير، كائن ثدي يختلف حجمه حسب الفصيلة من الدلفين إلى الحوت الأزرق)
(حَوَتَ) الْحَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ مُنْقَاسٌ، وَهُوَ مِنَ الِاضْطِرَابِ وَالرَّوَغَانِ، فَالْحُوتُ الْعَظِيمُ مِنَ السَّمَكِ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ أَبَدًا غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: حَاوَتَنِي فُلَانٌ، إِذَا رَاوَغَنِي.
كلمة حَوَتَ تدل على الأرجحية الشديدة والممتدة بانضمام مكانياً منتهية بضغط خفيف، وظهر ذلك بحركة الروغان والمناورة والحومان مع الامتداد مكانياً. وكل ما يتحقق به هذا المفهوم يطلق عليه اسم (حوت)، وكتب المعاجم أتت باستخدام الكلمة وليس بمفهومها اللساني.
فنقول عن السمك: إنه حوت سواء أكان صغيراً أو كبيراً لتحقق به مفهوم كلمة (حَوَتَ) في حركته بالماء.
ونقول عن التاجر القوي في السوق بحركته وخبرته ومناورته وحومانه إنه حوت.
وجمع كلمة حوت حيتان.
حوت (الصحاح في اللغة)
الحوت السمكة، والجمع الحيتان
والحوت برج في السماء. وحات الطائر على الشيء يحوت، أي حام حوله.
وحاوتني فلان، إذا راوغك.
حوت كبير: أي رجل ذات مال ونفوذ وسطوة
إذاً، ليس كل كلمة (حوت) تعني سمكاً، ولابد من قراءة الكلمة وفق سياق الآية لتحديد معنى كلمة (حوت)
قال الله تعالى:﴿ واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾الأعراف163كذلك :﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً ﴾الكهف63
لنقرأ الآيتين بتدّبر ففي الآية من سورة الأعراف، فكلمة (حيتانهم (تدل على أن أهل القرية يملكون الحيتان كملكية خاصة والسمك في البحر ليس ملكية لأحد، وحسب سياق الآية هي قوارب الصيد فهي ملكيتهم وهي تأتيهم مشرعة ومحملة بالصيد الوفير يوم السبت أما بقية الأيام فلا تأت مشرعة ولا يوجد صيد فيها وهذا ابتلاء لهم وعقوبة لفسقهم. ففي اليوم الذي وعدوا الله بأن لا يعملوا (يوم السبت) كنت ترى حيتانهم تأتي شرعا والشراع يوضع على القارب وهو أيضا بنفس الوقت يدل على أن القوارب كانت تأتي بخير كثير ولكن أن تأتي الأسماك شرعا فهذا هراء !!!... .
أما في الآية من سورة الكهف، لا يوجد في النص ذكر أن الحوت هو السمك، والمسافر لا يترك أو ينس طعامه خلفه في العراء، والنص يتكلم عن رحلة بحرية وهذا يدل على أن الحوت هو قارب صيد يحمل النبي موسى وفتاه وغداءهم.
وعندما وصل النبي موسى وفتاه إلى اليابسة، أويا إلى الصخرة ونسي الفتى وسيدنا موسى ربط القارب، وعندما نزلا منه ترك القارب حيث هو فسحبه التيار المائي واتخذ سبيله في البحر سرباً، وتابع النبي موسى وفتاه طريقهما وابتعدا عن مكان ترك القارب، وبعد فترة قال النبي موسى لفتاه آتنا غداءنا؟ فتذكر الفتى فوراً أنه نسي أن يربط القارب والطعام كان فيه فذكر ذلك للنبي موسى، فقال النبي موسى هذا ما كنا نبغ ورجعا للمكان ذاته فوجدا العبد الصالح بانتظارهما، وتتمة القصة معروفة. كما أن كلمة سربا تدل على انه قارب أسرب في البحر أي ذهب. وعادة البحر يلفظ الأشياء على الساحل بينما هنا التيار سحب القارب لذلك تعجب النبي موسى وفتاه وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً
﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ﴾ الكهف61
أذا فالحوت هو القارب ولا علاقة له بحوت البحر أو السمكة، ولقد سمي بهذا الاسم (الحوت = قارب) لأنه يتحرك بأرجحية شديدة للأعلى والأسفل ويميل نحو اليمن واليسار ويناور ويراوغ ويمتد منضماً على ذاته مكانياً وإلى الأمام بمعنى أن حركة القارب في البحر تشبه الحوت أو السمكة وهو يسبح.
معنى لَقَمَ
تدل على حركة لازمة ثقيلة متوقفة بشدة منتهية بجمع متصل.
ونقول قام الجندي بتلقيم السلاح بالذخيرة وهي وضع القذيفة أو الرصاصة في داخل السلاح بقوة واستقرارها فيه.
كذلك وضع جزء من الطعام في الفم وإطباقه عليها فتسمى لقمة، وتسمى العملية التلقيم، وإن قام بها الشخص بنفسه قلنا: إلتقم لقمة.
وسمي لقمان لقماناً لأنه كان يلتقم الحكمة ويلقمها لقماً للناس في عقولهم والمعنى هنا معنوي.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ لقمان12
وهذا يعني إن فعل (إِلْتَقَمَ) يدل على التزام الشيء بقوة وإضافته لشيء آخر ومسكه فيه.
معنى الظلمات
ظَلَم: ظهرت ثقافياً بمعنى غياب النور والحق والصواب، وفي حال غاب النور والحق والصواب ظهر الضلال والضياع والخطأ والتخبط في الحكم أو التصرف، ومن هذا الوجه قالوا: إن الظلم هو وضع الشيء في غير مكانه، بمعنى مخالفة الحق والصواب في ذلك الفعل والوقوع بالضلال والباطل والخطأ والتخبط بالحركة.
وسمي الليل ظلاماً لتحقق به نفي النور ونفي الرؤية ونفي التمييز للأشياء عن بعضها، وكذلك السواد، ويمكن أن تأتي الظلمات في النهار معنوياً بغياب العلم والنور والمعرفة والسير على غير هدى.
دلالة كلمة (الظلمات)
بدلالة معنوية:
﴿ الَر أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيز الْحَمِيدِ ﴾إبراهيم1
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾إبراهيم5
أتت بدلالة معنوية تقابل النور وهي تعني غياب النور والحق والرشاد والوعي والصواب عن الذين كذبوا بآيات ربهم، وكلمة النور تعني الحق ووضوح الرؤية العقلية والعلمية للأشياء وفق منطق علمي حكيم. (البصيرة)
بدلالة مادية:
﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾الأنعام59
﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾الأنعام63
﴿ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾النمل 63
فكلمة (الظلمات) في النصوص السابقة أتت بدلالة مادية متعلقة بنفي الرؤية أو الضياع والضلال عن معالم الشيء سواء أكان في النهار أو الليل أو البر أو البحر أو في غابة ، ويكون ذلك عادة في الليل أكثر منه في النهار ، فمن يركب البحر دون هدى ولا علم ولا معالم تدل على طريقه فهو يسير في الظلمات ولا يدري أين يسير به القارب سواء أكان الجو نهاراً أو ليلاً، ولذلك جعل الخالق النجوم علامة للناس ليعرفوا طريقهم في البر والبحر ويهتدوا بها في الظلمات ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾الأنعام97، وعادة تظهر النجوم ليلاً ويحددون الطريق على موجبها ويهتدون بها في ظلمات البر والبحر وفي الليل والنهار يستمرون بالسير على موجب الهداية والاستعانة بالشمس والتضاريس الطبيعية .
التسبيح: معجم مقايييس اللغة ابن فارس
(سَبَحَ) السِّينُ وَالْبَاءُ وَالْحَاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا جِنْسٌ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَالْآخَرُ جِنْسٌ مِنَ السَّعْيِ. فَالْأَوَّلُ السُّبْحَةُ، وَهِيَ الصَّلَاةُ، وَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ مَا كَانَ نَفْلًا غَيْرَ فَرْضٍ. يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَلَا يُسَبِّحُ بَيْنَهُمَا، أَيْ لَا يَتَنَفَّلُ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ. وَمِنَ الْبَابِ التَّسْبِيحُ، وَهُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ. وَالتَّنْزِيهُ: التَّبْعِيدُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: سُبْحَانَ مِنْ كَذَا، أَيْ مَا أَبْعَدَهُ. قَالَ الْأَعْشَى:
أَقُولُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ
وَقَالَ قَوْمٌ: تَأْوِيلُهُ عَجَبًا لَهُ إِذَا يَفْخَرُ. وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ ذَاكَ لِأَنَّهُ تَبْعِيدٌ لَهُ مِنَ الْفَخْرِ. وَفِي صِفَاتِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: سُبُّوحٌ . وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ تَنَزَّهَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ. وَالسُّبُحَاتُ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: جَلَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَعَظَمَتُهُ . ص : 126] وَالْأَصْلُ الْآخَرُ السَّبْحُ وَالسِّبَاحَةُ : الْعَوْمُ فِي الْمَاءِ . وَالسَّابِحُ مِنَ الْخَيْلِ: الْحَسَنُ مَدِّ الْيَدَيْنِ فِي الْجَرْيِ . قَالَ :
فَوَلَّيْتَ عَنْهُ يَرْتَمِي بِكَ سَابِحٌ     وَقَدْ قَابَلَتْ أُذْنَيْهِ مِنْكَ الْأَخَادِعُ
وبالرجوع إلى معظم المعاجم اللغوية فإن التسبيح يقصد بها العبادة، العوم، السعي، راحة، التنزيه، الفراغ وغيرها .
إذا التسبيح أو السبح هو المضي مع القانون أو الالتزام به أو تسخيره أو طاعته. فالسباحة في النهر هو التزام الشخص بقوانين السباحة كحركة اليدين والرجلين وعملية الطوفان والتنفس ... فهذا الشخص يسبح ضمن القانون.
ومخالفة الإنسان لقوانين الله سبحانه وتعالى يؤدي به في الأخير إلى الهلاك، فالإنسان حين يسبّح لله هو انسجامه مع قوانين الله وعدم الخروج عليها.
وتسبيح الملائكة لله هو انسجامها مع قوانين الله وهي تعمل ضمنها ولا تخرج عنها فهي تعمل بشكل نمطي قال تعالى﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) ﴾ البقرة. أما المخلوق الجديد فله خيارات وسوف يسفك الدماء بسبب تضارب مصالحه أما نحن فملتزمون بقوانينك. والقول هنا ليس بحوار إنما الفكرة الناجمة عن خلق هذا المخلوق الذي له إرادة وما سينجم عنها من اتخاذ قرارات.
الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون وما فيه يسبّح بحمده بمعنى منسجم مع قوانينه.
مسألة تسبيح الجبال أو الرعد أو الطيور، الأجرام السماوية ... لا يعني ذلك أنها تقول سبحان الله ... وانما هي منسجمة مع قوانين الله فالجبال سخرت لنا لما فيها من منفعة للناس وذلك حين معرفتنا لقوانينها (استخراج المعادن أو الصخور أو استغلال الخشب....) 
ذو النون: النون هو القارب وسمي بالنون لأن شكله والجالس بوسطه يشبه حرف النون وذو يعني صاحب فذو النون يقصد بها صاحب القارب.
فماهي القصة؟ النبي يونس دعا قومه فلم يستجيبوا له، فظن أنه قد أقام الحجة عليهم وانتهى دوره فغادرهم مسرعاً دون إذن من الله أو أمر، وظن أن الله بعلمه للحدث قد عذره ولا مانع من ترك قومه لكفرهم وعدم إيمانهم، وسرعان ما أبق إلى الفلك المشحون.
﴿ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾الصافات140.
كلمة (أبق) تعني المغادرة بسرعة شديدة للمكان سواء عن هروب أو دونه.
كلمة (الفلك) تعني السفينة سواء أكانت بشكل بدائي أو متطور.
كلمة (المشحون) اسم مفعول وتدل على الشيء المتجمع به ناس أو بضاعة كثيرة معدة للسفر أو الانتقال أو كلاهما.﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾يس41
﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ ﴾الصافات141، وبصرف النظر عن الشيء الذي ساهم فيه ، المهم خسر سهمه وفقد ثقة أصحاب الفلك وقرروا التخلص منه، ولم يأت في النص أنهم حملوه وألقوه في البحر، وإنما أتى ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ الصافات142، وقد عرفنا دلالة كلمة (اللقم) وأنها تدل على الالتزام للشيء بقوة ، وعرفنا كلمة (الحوت) أنها تدل على قارب ، ليصير المعنى المنطقي أن أصحاب السفينة أرغموه على مغادرة السفينة وتركهم وجعلوا له قارب صغير ،ويبدو أنه قاوم أو رفض ذلك فقاموا بإلقائه في القارب رغماً عنه وألقوه فيه فالْتقمه القارب ببطنه، وكان النبي يونس ممتعضاً من فعلهم ومَلِيم لهم على هذه المعاملة له ، وابتعدوا عنه وتركوه في عرض البحر ويبدو أن سيدنا يونس عليه السلام لديه معرفة بركوب البحر لا سيما وانه ابن مدينة ساحلية   ومضى عليه أيام يتعرض لحرارة الشمس وليالي يتعرض لبرد الليل، ونفذ منه الماء والطعام وضاع وضل في ظلمات البحر وانسجم مع قوانين الملاحة مهتديا بالنجوم تارة و بالشمس لكي يعرف الاتجاهات و كيفية توجيه القارب  والسيطرة عليه وربما أكل الأسماك نيّة ويشرب من ماء الأمطار بعصر قميصه ...الخ:﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) ﴾الصافات144. فالتسبيح كما قلنا هي القوانين وسيدنا يونس إلتزم بهذه القوانين للبقاء على قيد الحياة فقد عرف كيفية المحافظة على حياته وطال به الأمد، فمرض وضعف جسمه مما تعرض له.( هناك قصص واقعية حدثت لأشخاص تاهوا في البحر لمدة شهور وعثروا عليهم أحياء).
أما قوله تعالى لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فلا تعني أن النبي يونس كان في بطن الحوت السمك الكبير، لما ذكرناه سابقاً أن ذلك فهم طفولي سطحي مستبعد، ولا تدل كلمة (يبعثون) يعني يوم القيامة لأن النبي يونس أو الحوت بمعنى السمك لن يبقيا طول هذه الفترة وسوف يموتان كلاهما ضمن الزمن المحدد، وهذا يدل على أن النص له مفهوم آخر، ووفق ما ذكرنا من أحداث القصة يكون مفهوم النص هذا الأقرب للصواب هوأن النبي يونس سوف يبقى في البحر حتى ييسّر الله له قوم يبعثهم له ويجدونه وينقذوه، وهذا قد يطول كثيراً، فقد أنجاه بطريقة نبذ قاربه إلى اليابسة عن طريق أمواج البحر أي بإلقائه وطرحه،﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾الصافات145، فوجده قوم (عائلات) يوجد بينهم علاقات قاطنين في هذا المكان فاعتنوا به وعالجوه حتى قوي واسترد صحته.
﴿ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ﴾الصافات146
(في الصحاح العربية )
-نبِّت أجلك بين عينيك: ضعه نُصب عينيك
-نبَّت الصبيَّ : أنبته ، ربّاه ، وأحسن تعهّده
-شجرة يفصل نسب عائلة أو مجموعة عائلات
وبعد شفاؤه قام ورجع لقومه يدعوهم إلى الله فاستجابوا له وآمنوا بالله.
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴿147﴾فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴿148﴾الصافات.
هذه هي قصة النبي يوسف عليه السلام وليست قصة تروى للأطفال ويصنعون منها أفلام لهم للتسلية أو السندباد البحري، كما عرضها المفسرون وصرنا مهزلة وأضحوكة وهذا بحد ذاته سخرية من القرآن الكريم.

Subscribe by Email

Follow Updates Articles from This Blog via Email

5 Comments

avatar

جزاك الله عنا خير الجزاء

Reply Delete
avatar

سبحان الله على هذا الدجل ...انتم لم تفلحوا في جعل القران الكريم أكذوبة ولم تفلحوا في زعزعة عقيدة المسلمين الراسخة بهذا الكتاب العظيم فسلكتم طريقا اخر لادخال الشبهات في قصص واضحة و تحميل الفاظ القران معاني غير حقيقية لزرع الشك لدى الناس واختلاط الامر عليهم ...ولكن هيهات ...القران الكريم نزل على أمة لا تفلح شيئا وتبدع فيه الا اللغة فقاموا لهذه اللغة سوقا هو عكاظ كانوا يتبارون فيه بالاسعار وتحميلها واعظمها كان يعلق على استار الكعبة هذا قبل ظهور الوحي و انزال القران...وقد مر على موت الرسول قرونا غابرة وفقدت اللغة قليلا من بريقها لتداخل اللهجات الكثيرة لكن مع كل ذلك بقيت ثوابت هذه اللغة راسخة بمعانيها و الفاظها...ولازال لهذه اللغة العربية رجالاتها و معاجمها...لا اجد وقتا كافبا بارد على كل هذه التفاهات و الأخطاء الكبيرة في تفسير كلمات معروفة لدى القاصي و الداني لا تقبل اي جدال كتفسير الحوت بالسفينة ومحاولة تحويل وتطويع الحوت كرها الى السفينة ...واني اتحداك ان تاتيني بتفسير واحد في المعاجم العربية المعتمدة بان الحوت يعني سفينة او في دواوين الشعر قبل الاسلام وبعده...ولا يوجد هذا المعنى الا في عقلك المريض ...لان الهدف واضح هو تحوير المعاني وتحويل معانيها الحقيقية لمعاني اخرى غريبة لافساد معاني القصة وتشوبهها واخراجها عن نطاقها الحقيقي للوصول الى هدف واحد هو التلاعب بمعاني القران اذ صعب عليكم تحريفه وتزويره و ابعاد الناس عن الايمان به...والله لن تفلحوا ....

Reply Delete
avatar

الله سبحانه و تعالى أمرنا باستعمال عقولنا وطرح الأسئلة ، وأصحاب العقول النيّرة لا تقبل مثل هذه الخرافات ، فالله أعطانا منهجية وطريقة لفهم احاث الماضي ولفهم آيات المصحف و هي اللسان العربي المبين فالموروث من كتب و تفاسير وتاريخ بما فيها "اللغة العربية " والتي هي أصلا " لغو" كلّه ملعوب فيه .

Reply Delete
avatar

كلمك غير صحيح الحوت ليس قارب

Reply Delete
avatar

الحوت احتواء وحاوية ومحتوى
ومنها مصطلح حاوي
يحتويك داخل فكرته فيخدعك ويتلاعب بك
كل فكرة تحتويك بدل ان تحتويها هي حوت
كل شعور يستحوذ عليك ولا تسيطر عليه هو حوت
اي مصاب يصيبك ..كل حزن او غضب او تعلق او هلع او رعب
لاتستطيع تجاوزه وتسجن داخله هو حوت
يلتقمك ويبتلعك ويدخلك بدوامة لا تنتهي ..
فان لم تتدارك نفسك وتخرج من المحتوى الذي استحوذ عليك هلكت وانتهيت

(ارأيت إذ أوينا إلى الصخرة فاني نسيت الحوت
وما انسانيه الا الشيطان أن اذكره فاتخذ سبيله في البحر عجبا)

Reply Delete

About