شبهات و بينات - عبدالباسط يحياوي

الاثنين، 24 ديسمبر 2018

thumbnail

النبي إبراهيم و الطيور الأربعة



 سيدنا إبراهيم عليه السلام تحمل عبء الكثير من القضايا، منهن قضيتين هامتين واتهم بهما وهن قضية محاولة ذبح أبنه أما القضية الثانية هي الأربعة من الطير كذلك فيها اتهام بأن سيدنا إبراهيم راوده الشك بعدم الإيمان بالله سبحانه وتعالى في إحياء الموتى.
المسألة هنا متعلقة بقدرة الله على إحياء الموتى، فالنبي إبراهيم طرح سؤالين: هذا الإنسان الذي كان مادة جامدة ميتة تحولت وأصبحت إنسان عاقل يتحرك ويتفاعل مع محيطه ثم بعد ذلك يموت﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾البقرة 29
هذا السؤال الأول أما الثاني فهي عملية إحياء الميت من جديد. والرد على ذلك من الله سبحانه وتعالى كان أربعة من الطير ومن خلالها يمكنه فهم معنى إحياء الموتى.
ماذا قال المفسرون بخصوص هذه المسألة ؟، تقريبا جميعهم متفقون بأن سيدنا إبراهيم سأل الله عن كيفية إحياء الموتى، والله بدوره أعطاه الطريقة المثلى لمعرفة عملية إحيائهم أمامه مباشرة وهو بأن يأخذ أربعة من الطيور ويقطّعهم إلى أجزاء ويخلطهم يبعضهم (الريش والدم والرؤوس.) ويوزعهم على الجبال ثم ينادي عليهم فيأتونه وهو ممسك لرؤوسهم.( جثث طائرة بدون رؤوس)
أما سبب طرح هذا السؤال هو أن سيدنا إبراهيم مرّ على جثة حيوان ميت، تنهشها السباع والطيور فأثارت في نفسه هذا السؤال، أما الطيور فذهبوا وقالوا إنها الغراب، الطاووس، الحمامة والديك.
تفسيرهم لهذه الآية طرح العديد من الأسئلة والتناقضات إلى جانب السذاجة والخرافة من بينها وأهمها:
        هل من المعقول أن سيدنا إبراهيم النبي والرسول وبعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى غير مقتنع بأنه قادر على إحياء الموتى؟ فالمسألة ليست بهذه البساطة، بل لها أبعاد أخرى وتتعدى ذلك وأعمق وهي كيف تتم هذه العملية؟ وهذا سؤال علمي صادر عن إنسان واعي وله معرفة وليس السؤال بأصل القضية.
        فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ فسروها التقطيع بمعنى قطّعهن إليك وهي غير ذلك بتاتا فكلمة قطّعهن لا علاقة لها بكلمة إليك فالنص خالي من أي اشارة الى عملية الذبح أو التقطيع.
        كان بإمكان سيدنا إبراهيم وهو مار بهذا الحيوان الميت أن يسأل الله عن كيفية إحياءه، فلماذا أربعة من الطيور؟ وكذلك العدد لماذا ليس بخمسة أو سبعة...؟
لفهم هذه الآية يجب أن نبحث عن مفتاحها وهو "أربعة" ولكن قبل ذلك ما معنى إذ قال إبراهيم ... هل يعني أنه سأل الله سبحانه وتعالى مباشرة ثم جاءه الجواب من عنده وكأن في المسألة حوار والعياذ بالله !!!
فكلمة وَإِذْ ذكرت في التنزيل الحكيم 72 مرة وتدل على وقوع الفعل مع استمراريته في المضارع. إذا سيدنا إبراهيم فكر وتساءل وتأمل بخصوص هذه المسألة (قال) فالقول هنا ليس باللفظ وإنما بالتأمل والتفكر
 قال تعالى﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴾مريم 26. فالقول هنا لا يعني الكلام اللفظي وإنما تبليغ رسالة مفهومة بالإشارة هو عدم الكلام، فالقول هو الفكرة. مثال: يقول معهد التغذية التفاح فيه فوائد لجسم الإنسان.
"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي ...» لماذا سيدنا إبراهيم لم يقل إلهي عوض ربي؟ لأن مسألة الحياة والموت والخلق والكون كله هي مسالة متعلقة بالربوبية. أما أرني ليست بمعناها المادي أي أرى بعيني عملية إحياء الموتى وإنما الفهم والمعرفة.
"قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن" أَوَلَمْ تؤمن غير كلمة أَلَمْ تؤمن وقد فهمها المفسرون بهذا المعنى أي عدم الإيمان وفي الحقيقة" أَوَلَمْ تُؤْمِن" هي أليس هذا هو الثابت عندك فكان الجواب "بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" لأن مسألة الإيمان المسبق لها علاقة وثيقة ومرتبطة بالعلم و المعرفة والعكس صحيح ، والقلب هنا ليس بتلك العضلة في القفص الصدري وإنما العقل ،الفكر، المعرفة ( تقليب المسائل وربطها ببعض) فمثلا لولا إيماننا المسبق بأجهزة الاتصالات " الهاتف الخلوي" وما يقدمه من خدمات فلا يمكننا الاعتماد عليها في حياتنا والأمثلة كثيرة فالإيمان ركيزة للعلم ، والإيمان بدون الاستدلال و البرهان العلمي لا يعتبر إيمانا ما دام ليس هناك برهان  أو إثبات له قاعدة قوية و راسخة، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الاطمئنان أي الاستقرار ومن المعروف أن سيدنا إبراهيم كانت لديه العديد من الأسئلة فقد حاجج أباه، كبار قومه ، الطغاة في مسألة التوحيد والخلق  وفي طرحه للأسئلة يريد أن يوسع قاعدة ارتكاز هذا الإيمان بأدلة أخرى قوية . 
إذا في طرحه لهذا السؤال عن عملية إحياء الموتى جاء الجواب بمثال واقعي هو " فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ" وأَرْبَعَةً هي مفتاح هذه المسألة كما قلت.
أربعة جذرها اللغوي رَبَعَ
      رَبَعَ الرَّبِيعُ : حَلَّ ، دَخَلَ
      رَبَعَ : أَخْصَبَ
     الرُّبَعُ : الفصيل يُنْتَج في الربيع وهو أَول النّتاج وجمعها أَرْبَعَةً
     ربَع الوادي عند نزول الغيث: -أخصب.
ربع الإبل: أن ترِد الماء يومًا وتُمنَع يومين ثم ترِد اليوم الرابع وهكذا
ففي معظم المعاجم تدل كلمة رَبَعَ عن فصل الربيع والإخصاب والتتابع لذلك نقول مربع لأنه مشتق من كلمة رَبَعَ.
فالأربعة تشير إلى فصيل حديث الولادة وليست إلى رقم أربعة ، بمعنى أن تأتي بفراخ  مهما كان عددها حديثي الولادة (من الطير) تعلمهم وتربيهم منذ الولادة  لكي يتعودوا عليك وهذا معنى" فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ"  أي تصبح أنت مسيرهم وربّهم (التربية و العناية)  وتتحكم فيهم ، لذلك قال الله تعالى أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ وليس أربعة من الطيور لأن الطيور عادة تكون كبيرة في العمر، ثم بعد ذلك أي بعد فترة زمنية من التربية و التعليم  وهذه العملية متكررة ، ثُمَّ اجْعَلْ ثم أداة تراخي تدل على قترة زمنية طويلة لأن عملية تربية هذه الطيور وتدريبهم تأخذ فترة زمنية ليست بقصيرة ، ضعهم في أي مكان متفرقين ثم استدعهن بإشارة أو بالتصفير حسب ما تعودوا عليه يأتوك سعيا  بالطيران أي يسعون إليك .
فالفكرة المراد إبلاغها لسيدنا إبراهيم ليست متعلقة بتربية الطيور و إنما تتجاوزك واشمل فهي مرتبطة بعزة الله وقوته وحكمته لذلك قال وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. والقصص كما قلت هو للعبرة والتعلم لكل الناس.
 فالسؤال الذي طرحه سيدنا إبراهيم متعلق بكيفية استجابة هذه الأشياء الميتة أي قدرة هذا الشيء على الاستجابة، هذه المادة الميتة تستجيب للأمر وهنا جاء السؤال " كيف " لأمر الفاعل ، والأمثال تضرب و لا تقاس فالله سبحانه و تعالى خلق الموت و الحياة فمن أشياء ميتة لا حياة فيها تمّ إحيائها، فبالنسبة لله الحياة و الموت شيء بسيط أما نحن البشر هذه القضية صعبة وتتجاوزنا أما بالنسبة لله فالقضية مثل دعوة الطيور بعد تعليمها و تربيتها بقوانين بسيطة فالمسألة متعلقة بالمَثَلْ و ليس بأجزائه (الحياة – الموت – الخلق..).

Subscribe by Email

Follow Updates Articles from This Blog via Email

No Comments

About