شبهات و بينات - عبدالباسط يحياوي

الاثنين، 24 ديسمبر 2018

thumbnail

خلق آدم والتطور في القرآن - الجزء الأول


قصة خلق آدم ما هي إلا جزء من الخلق ككل، ونحن نعلم كما جاء في كتب التراث و التفاسير أن  آدم هو أول خلق تم تصميمه ضمن ما يطلق عليه بالتصميم الذكي، أي أن شكل أو البنية الفيزيولوجية والذهنية لآدم هي نفسها التي لدينا نحن الآن، أي كل الصفات التي يتمتع بها آدم هو وزوجه (حواء) هي من جرّاء نفخة الرّوح لذلك التمثال من الطين، و هذه القصة مأخوذة من التوراة وأصحابها، وهم بدورهم أخذوها عن حكايات قديمة، خاصة السومرية  فالأصل لهذه المعتقدات الشعبية السابقة على اليهودية انتقل إلى الديانة العبرية، التي اتفقتْ على خلق (آدم) من تراب وأنّ الإله العبري خلقه على صورته ومن ضلعه أخرج (حواء) ، وما ورد في التراث العبري لا يختلف إلاّ في التفاصيل عن خرافات وأساطير الشعوب السابقة على اليهودية.
غير أنه جرت محاولة تلفيق وإسقاط قصة خلق آدم وحواء في العصر الحديث بعد الكشوف العلمية (علم الأنثروبولوجيا) استنتجوا بأن آدم وحواء العاقلين (التصميم الذكي) وحدهم هم أصل البشرية ولدوا من أبوين غير عاقلين وأنه صارت طفرة وراثية أنتجت لنا آدم وحواء فقط عاقلين، أما البقية مثل أولاد العم او الخال والأقران... غير عقلاء. وهي نظرية تلفيقية بين النظرية الكلاسيكية وما توصل إليه العلم أرادها أصحاب هذا المذهب ، أمام الحقائق العلمية التي أثبتت أن الإنسان (آدم) ما هو إلا نتيجة عملية تطور للبشر.
آدم و حواء و الأكل من الشجرة (الأسطورة السومرية)
طرد آدم و حواء من الجنة 
 :القرآن وقصة خلق آدم 
قبل أن نستعرض بعض الآيات التي تحدثت عن التطور لابد لنا أن تتحدث عن خلق آدم كآخر حلقة في سلسلة التطور البشري  الموجودة في التنزيل الحكيم، فآيات خلقه هي من الآيات المتشابهات تحتاج إلى تأويل لقوله تعالى﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ(66) لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(67) ﴾الأنعام. وبما أن  هذه القصة من أنباء الماضي فلا بد لنا من دراستها  وذلك بالاعتماد على الحفريات والدراسات الأنثروبولوجية، لفهم هذه الآيات الى جانب الألفاظ والتراكيب  التي هي سر فهم عملية الخلق ، وهذا التشابه وبما أنه من أنباء الغيب سيأتي يوم ويتّضح مع التطور العلمي للبشرية ليصبح حقيقة ملموسة (حق). "فكل نبأ جاء في القرآن سيأتي يوم ويتضّح لنا ، أي يصبح تأويله نهائياً مبصراً  يتحدث به الناس كما حصل مع سيدنا يوسف عليه السلام﴿ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ ﴾يوسف 100. هذه الآية أعطتنا مسألتين هامتين جدا : الأول هو معنى التأويل والمعنى الثاني معنى الحق. لقد رأى يوسف في المنام ما رآه، ثم تتالت الأحداث حتى وصول أهله إلى أرض مصر وهو وزير، عندها تحول المنام من مجرد رؤيا في وعي يوسف إلى حقيقة موضوعية مادية خارج وعيّه. هذا التحول هو التأويل. وفي المعنى الثاني( جعلها ربي حقاً) أي غيّر صيرورتها من مجرد رؤيا إلى حقيقة ملموسة خارج وعي يوسف، لذا استعمل كلمة "حقاً  ".
ورد لفظ آدم أو مقترن مع لفظ آخر في الذكر الحكيم 25 مرة منها 16 مرة آدم، 01 مرة ابني آدم، 07 مرات بني آدم و01 مرة ذرية آدم. ويشير النص القرآني إلى أن آدم ليس بشخص أو نبيّ كما يقولون أو فرد واحد وإنما اسم جنس لمجموعة بشرية تطورت عن أنواع أخرى سابقة.
وقد تعامل القرآن مع هذا اللّفظ كمفرد وهو استخدام طبيعي، فعندما نقول الإنسان جاحد نقصد جنس الإنسان وليس شخص الإنسان أو عندما نقول الحاسوب DELL قوي نقصد جنس أو نوع هذه الماركة عن بقية الحواسيب الأخرى.
ففي الذكر الحكيم نجد آيات تتحدث عن الإنسان، فهي تشمل آدم وآيات أخرى تتحدث عن آدم كجنس بشري أو نوع من أنواع الإنسان، ظهر من أبوين سابقين حيث تعرض إلى عملية نشوء وتطور﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴾11 الأعراف.
وقال تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ﴾المؤمنون  وقال تعالى ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) ﴾الإنسان .وقال تعالى ﴿ إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ﴾ العلق . نلاحظ في هذه الآيات أن الإنسان خلق من نطفة وآدم من جنس الإنسان وبالتالي لا يمكن أن يكون قد صمم كشخص ثم نفخت فيه الروح وهذا يدل على أنه ينتمي إلى سلالة قديمة تطورت عبر الزمن مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ.
أما في سورة الأعراف الآية 11 الخطاب موجه للناس جميعا خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ. فعملية الخلق والتصوير تمت قبل عملية السجود لآدم ولو كان آدم أول شخص تم خلقه لقال تعالى خَلَقْنَاه ثُمَّ صَوَّرْنَاه. ولكن ربما هناك من يقول أن الخلق شمل آدم وحواء لذا قال خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ لنفترض ذلك ولكن يجب استعمال الضمير الغائب المثنى وليس المخاطب فتكون الصيغة على النحو التالي خَلَقْنَاهمْ ثُمَّ صَوَّرْناَهمْ. أو خَلَقْنَاهُماَ ثُمَّ صَوَّرْناَهُماَ.
الأداة " ثم " استعملت في هذه الآية للدلالة على أن بين عملية الخلق والتصوير والسجود تخللتهم فترة زمنية طويلة وهي أداة تراخي. ولم يستعمل الواو وهي تعبر عن التتابع ولكن لفترة زمنية قصيرة. أما" ثم " فالفترة الزمنية يمكن أن تكون نسبية وذلك حسب طبيعة الحدث يمكن أن تكون ساعة، شهر، قرن مآت السنين...
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) ﴾الحجر
عملية خلق الإنسان جاءت بعد خلق فئة أخرى من البشر وهم الجان الذين خلقوا من نار السموم، فقد تمّ خلقه أول مرة من الحمأ المسنون ثم بعد ذلك تم ّ تطويره من صلصال. والجان ليسوا بتلك المخلوقات الخفية و التي حيكت حولهم خرافات وهذا مبحث آخر سأتطرق إليه في مناسبة أخرى ( إبليس، الشيطان والجن)
هل آدم هو شخص معين؟
﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ (122) ﴾طه
في بداية الآية فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ صارت لشخص واحد، بعد ذلك عملية الأكل قام بها شخصان (آدم وحواء ) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وفي آخر الآية التوبة شملت شخص واحد ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ. فالمسألة هنا محيرة وغير مفهومة. 
الوسوسة تمت لآدم فقط والتوبة كذلك حيث تم استثناء "حواء" من هذه المسألة بينما الأكل و ما تبع ذلك فلكليهما والنتيجة أن التفسير التقليدي بسبب تأثير كتب الأولين وما جاء فيها  ركزوا على  دور حواء بل حملّونها المسؤولية وأنّها كانت جزّء من الإغواء بل الإغواء بحد ذاته و التي تعرض له آدم بل يذهبون أبعد من ذلك ، فقد اختلقوا حكايات عنها وأنها هي التي أغوت آدم للأكل من الشجرة  والدليل عندهم  أنها أكلت معه ، وهذه الفكرة كانت نتائجها كارثية على المرأة في المجتمع الإسلامي ( الفقه الإسلامي ) ، أما التوبة  و الهداية شملت آدم فقط، علما أن الآية لا تشير إلى الدور الذي لعبته حواء المفترضة في إغواء آدم في عملية الأكل  بل الوسوسة والإغواء لآدم فقط فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ  .
﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ﴾آل عمران
الاجتباء يشير إلى أن  العنصر نفسه صالح غير أنه به عطل  بمعنى خرج عن القانون فتّم إرجاعه.
الاصطفاء: العنصر صالح بذاته وتمّ اصطفاءه من بين عناصر أخرى أو هو صافي بطبيعته ولكن فيه شوائب تمت تنحيتها.
وقد تكون عملية الاجتباء أولا ثم الاصطفاء ثانيا.
وعموما بعد الاجتباء دائما في التنزيل الحكيم يرافقه التوبة والهداية والصلاح.
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ﴾النحل
﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) ﴾ طه
﴿ لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) القلم
الوسوسة:
﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ﴾طه 120
﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) ﴾ الأعراف
ففي الآتين فرق جوهري بينهما علما أن المفسرين دأبوا وكعادتهم أنه ليس هناك فرق فوسوس إليه مثل وسوس له وأن الوسوسة صارت مرة واحدة.  
ففي الآية الأولى أن القصد من الوسوسة هي تلك الشجرة والأكل منها و لكن هي بعيدة وغير معروفة .
أما في الآية الثانية  الشجرة قريبة فصارت عملية ملابسة واحتكاك، فالوسوسة صارت لهما الاثنين وهي مجموعة من المأدومين لهذه الشجرة القريبة منهم وهي معينة بحد ذاتها ولم يقل الله سبحانه وتعالى عن تلك الشجرة للدلالة على البعد والشجرة هنا هي رمز لسلالة بشرية أقدم من سلالة آدم ذات صفات نارية.(طاقة)
 ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) ﴾البقرة
القول هنا ليس الكلام بل ترمز إلى الفكرة الموحاة أو شرح الحال فلفظ اسْكُنْ لها معنيين مادي ومعنوي فالسكن إشارة إلى المكان، ومعنوي التفاعل والانسجام، وزوجك لا يقصد بها حواء وإنما شبيهك، قرينك في النمط الاجتماعي والسلوكي، فزوج الإنسان هو الإنسان والرجل زوج المرأة والمرأة زوج الرجل وقول تعالى﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾(7) التكوير. أي النفوس المتشابهة في الأعمال ضمن معايير وذلك يوم القيامة وكذلك قال الله تعالى﴿ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) ۞ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) ﴾الصافات. والأزواج هنا هم المتشابهون في الأعمال وليس الزوج أو الزوجة الشرعية. فالأكل والعيش هنا لسلالة واحدة التي تعيش ضمن مجموعة وهي جنس آدم فالآية تتحدث عن مسألة داخلية شبه ذاتية.
﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾19 الأعراف. هنا الآية تتحدث عن مسألة خارجية أي خارج المجموعة الآدمية لتتعدى إلى مجموعة أخرى أو سلالة أخرى تحمل صفات مختلفة.
وللتوضيح فإن الآتين تختلفان عن بعضهما كليّا، للدلالة عن أحداث مختلفة:
-        ففي الآية من سورة البقرة بدأت بـــ وَقُلْنَا يَا آدَمُ بينما في الأعراف بدأت بـــ  وَيَا آدَمُ.
-        في البقرة وَكُلَا في الأعراف فَكُلَا.
-        في البقرة وَكُلَا مِنْهَا في الاعراف فَكُلَا مِنْ .
-        في البقرة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا بينما في الاعراف لا يوجد رَغَدًا.
-        ورد في سورة البقرة حرف جر "من" مقترن بضمير يعود على الجنة فجاء اللفظ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا بينما في سورة الأعراف لا يوجد حرف جر "من" مقترن بضمير يعود على الجنة فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا
في سورة البقرة ورد الحديث عن سكن آدم و زوجه الجنة بعد سجود الملائكة له وعصيان إبليس أي ما بعد تطوير الإنسان العاقل (آدم) وخلق مواصفات جديدة بسبب عمليات الخلط من أعراق أخرى وأن الصفات النارية تمّ بلسها و السيطرة عليها  وهذا تطلب مدّة زمنية طويلة جدا،و بالفطرة  أصبح آدم -مجموعة الجنس البشري الجديدة- تميل نحو نظائرها بإحساس جديد وهم أبناء جنسه وَقُلْنَا يَا آدَمُ فهنا القول ليس باللّسان أو الكلام بل الفكرة الموحاة بالإحساس ونوع من التركيز و الاهتمام وأننا نحن الملائكة المسؤولين عن الخلق، أننا نحن السبب في وضع الفكرة في إطار محدد.
 إذا الفكرة وصلت إلى آدم بعد ممهدات وأسباب تجعل من هذا الجنس أن يسكن الجنة ويتزاوج (الأكل= التناسل).
أما القول بالكلام عبّر عنه التنزيل الحكيم بـــ﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ ﴾الفتح 11 وقال﴿ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾(167) آل عمران. وهنا المبالغة بالقول وهو إشارة إلى نوع من الثرثرة والتعالي.
أما في سورة الأعراف لماذا جاء التركيب بهذا الشكل؟ وهذا يرجع إلى المناسبة والموضوع.
في سورة البقرة تبيّن لنا على الانسجام الداخلي بين جنس سلالة آدم بالفطرة (لها ضوابط) بينما جاءت لفظة وَيَا آدَمُ في سورة الأعراف متروك لخيارات آدم في السكن أو عدم السكن هل يأكل أم لا؟ (الجنس والتكاثر) بمعنى أن القرار والخيار له (تفويض).
في سورة البقرة وَكُلَا تدل على أن عملية الأكل ستأتي في سياق مترابط ذات علاقة منطقية بين السابقة والتي بعدها (واو العطف) بينما في سورة الأعراف فَكُلَا أن عملية الأكل ستأتي في سياق غير مترابط مبنية على قرار شخصي (فاء السببية) سبب ومسبب ونتيجة .
في سورة البقرة وَكُلَا مِنْهَا هنا تمّ تحديد الجنة (من هذه الجنة مِنْهَا) وعملية الأكل متاحة بينما في سورة الأعراف فَكُلَا مِنْ تمّ تحديد الأمر فقط بالسكن في الجنة بينما الأكل ترك مفتوحا من خارجها (هناك خيارات).
بمعنى أن الحالة الأولى هناك ضمانات في الأكل من الجنة وَقُلْنَا يَا آدَمُ (بلس والسيطرة على بعض الصفات النارية) بينما في الحالة الثانية ليس هناك ضمانات إذا تمت عملية الأكل من خارج الجنة (الأجناس الأخرى) وَيَا آدَمُ فالمسؤولية تقع عليك. فإذا ما صادف ما يثير انتباهه فالقرار راجع له.
حرف الجر مِنْ ورد في الآتين (وَكُلَا مِنْهَا) البقرة (فَكُلَا مِنْ) الأعراف. وهنا الخيار متروك لكم سواء من داخل الجنة أو من خارجها (التزاوج) ولكن هناك فرق بينهما وهو الضّمان وقد عبّر عنه بلفظ رَغَدًا بمعنى أنه في الحالة الأولى هناك رغد من العيش حيث أن المساكنة والأكل من الجنة (الجنة المغلقة) له نتائج مضمونة وايجابية ضمن شروط وضوابط والتي تمّ توضيحها فطريا، بينما في الحالة الثانية نتائجها غير مضمونة وربما تكون سلبية (الجنة المفتوحة).
عموما الآتين تتحدث عن حدثين مختلفين في مناسبتين مختلفتين.
لسان العرب:
رغد : عَيْشٌ رَغْدٌ : كَثِيرٌ . وَعَيْشٌ رَغَدٌ وَرَغِدٌ وَرَغِيدٌ وَرَاغِدٌ وَأَرْغَدُ ، الْأَخِيرَةُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ : مُخْصِبٌ رَفِيهٌ غَزِيرٌ.
وَقَوْمٌ رَغَدٌ وَنِسْوَةٌ رَغَدٌ : مُخْصَبُونَ مَغْزُرُونَ . تَقُولُ : رَغِدَ عَيْشُهُمْ وَرَغُدَ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا - . وَأَرْغَدَ فُلَانٌ : أَصَابَ عَيْشًا وَاسِعًا . وَأَرْغَدَ الْقَوْمُ : أَخْصَبُوا وَأَرْغَدَ الْقَوْمُ : صَارُوا فِي عَيْشٍ رَغَدٍ .
الشجرة:
بعد معرفتنا حسب الألفاظ والتراكيب للقرآن ، تبيّن أن آدم ليس بشخص وإنما سلالة بشرية إنسية (عاقلة) تطورت عبر مراحل زمنية طويلة تعرضت لعملية خلط (أدم) بين أعراق أخرى. ولابد من الإشارة إلى أن لفظة الجنة والسكن فيها والأكل منها في التنزيل الحكيم لا يقصد بها ذلك البستان وإنما هي مجموعة من العلاقات الاجتماعية في ما بين هذه السلالة ( المأدومين ) يدخل فيها الأكل ( العلاقات الجنسية)، وهي علاقات نتائجها مضمونة وتفرز جيل خالي من العيوب ( الصفات الجنّية النارية)  فهنا تكون العلاقات منطقية وفيها رغد العيش والاستثناءات فيها قليلة جدا ، ولكن إذا أراد آدم البحث خارج الجنة ، من سلالات أخرى فعليه الانتباه ولابد أن يختار الشريك الذي يناسبه لذلك قال تعالى فَكُلَا فالتزاوج من خارج الجنة متاح لكن يجب الانتباه لأن في تلك السلالات يوجد فيها أجناس ذات صفات نارية كامنة ، ونتيجة الاختيار غير مضمونة بعكس الجنة الأولى.  إذا ما المقصود بالشجرة في التنزيل الحكيم؟
كل المفسرين قالوا إنها شجرة مثمرة وأن القرب منها تعني أن آدم وحواء أكلا منها بعد وسوسة الشيطان لآدم فقط وإغواء حواء لآدم ثم شملت التوبة لآدم فقط أما حواء فلا قيمة لها. لأجل هذا مازالت المرأة ينظر إليها باحتقار ودونية لأنها السبب في الخروج من الجنة وأنها خلقت من ضلع أعوج ونجسة... أما نوع الثمرة فقد احتاروا ما هي؟ هل هي التين أم العنب أم تفاحة ...؟ وقد تناسوا أن الله سبحانه وتعالى ذكر العديد من أسماء الأشجار والنباتات في الذكر الحكيم وهذه الشجرة ولأهميتها في مسألة الخلق وما نتج عنها من أحداث والتفاصيل الدقيقة التي دونّها الشرّاح... أيعقل لم يذكر الله أسم هذه الشجرة !!...
لنفترض أن هذه الشجرة نوع من أنواع الثمار لجاءت الآية على النحو التالي وَلَا تَـقْتــَرَبَا من هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ. بمعنى شجرة مجسدة مادية لأنه فعل متعدي ، مثال أقول لك لا تقترب من هذا الجدار. وهذا يدل على معنى واحد يجعل منك ومن الحائط كيانين مستقلين فقط ومكانية بحتة.
بينما وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ. فعملية القرب تعبّر عن حالة من الانسجام والألفة والتودد (العملية الجنسية) نقول قرب الزوج زوجته، أما إذا قلنا اقترب الزوج من زوجته فهذا لا تؤدي مفهوم الجنس بل تؤدي الى التقرب مكانيا.
ونلاحظ في التنزيل الحكيم أن مشتقات لفظ قَرُبَ تعطي معاني معنوية لازمة أي ذاتية أكثر منها مادية مثل التقرب من الله، ذوي القربى، التقرب من مال اليتيم، التقرب من الفواحش.... كلّها معنوية وليست مكانية مادية قال تعالى:
-        ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾البقرة187 هل يعني أن الله له حدود ؟...!
-        ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ ﴾النساء 43 الصلاة ليست شيء مادي
-        ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ﴾الأنعام 151
وهناك العديد من الآيات التي تبيّن أن عملية القرب هي معنوية وليست مادية محسوسة.
إذا القرب من الشيء هو الإحساس به داخليا ووجود ملابسة بين جوهر الشيئين إلى جانب القرب الزماني والمكاني والنفسي والظرفي، فهو معنى واسع.
ثانيا جاءت الآية بصيغة النهي من التقرب وليس الأكل مخافة الوقوع في الظلم، فقط مجرد التقرب.
ثالثا لماذا النهي عما هو متاح مادامت هي شجرة مثمرة. أي النهي عن التقرب من الشجرة وليس ثمارها؟ والمعروف وكما قالوا إن النهي جاء عن الأكل من ثمار الشجرة.
فالشجرة هي تعبير عن صفات وراثية تمت السيطرة عليها في جنة آدم وهي ذات صفات متقاربة تتيح الانسجام رغم وجود بعض الأفراد مما يحملون صفات وراثية سيئة من تلك الشجرة ، فكلما تمّ الابتعاد عن هؤلاء كلما قويت الصفات الجيدة، والجنة هي تلك الصفات الوراثية المبلسة والتي يمكن لها أن تظهر بكامل قوتها لذلك قلنا أن الجنّة في تفاسير المعاجم هي صفات يمكن أن تظهر بقوة (الخروج والبروز). أما إذا تمّ الخروج من هذه الجنة والبحث خارجها (سلالة أخرى) فلابد لك أن تتحرى أكثر لأن الصفات السيئة هي الغالبة وبالتالي انتقالها إليك عبر التناسل ويتّم تخريب ما تمّ بناءه منذ آلاف السنين (عزل الصفات السيئة).
الهبوط:
إذن آدم و زوجه وليست حواء كما يقولون يعيشان في منطقة حيث السكن و الأكل وعلاقات مبنية على الانسجام تربط بعض المجموعات من المأدومين ، غير أنهم اقتربوا و تعرفوا على سلالة قديمة من البشر وهي الشجرة المنهي عنها ، هنا بدأ جانب الفضول بالظهور وذلك للتعرف على هذه السلالة والاقتراب والاحتكاك بها عن طريق التزاوج وهي ما عبّر عنها الذّكر الحكيم بالأكل ، وهذه المسألة أخذت وقت بين أخذ ورد و تفكير حتى تحولت إلى وسوسة وهذا قبل الاحتكاك بهذه السلالة ثم جرت الوسوسة بعد الاقتراب منها والاحتكاك بها ( عملية التناسل ) فظهرت أجيال جديد فيها صفات عنيفة ، هنا بدأ الندم بسب الخروج عن الضوابط ( الشطن) .
﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾22 الأعراف. فلفظ تلكما الشجرة جاءت لتدل بعد أكل آدم من الشجرة. ظهور عورتهما وتغطيتها بأوراق الجنة كما يروى أنهما أخذا ورق الشجرة الموجودة في الجنة وغطيا بها عورتهما والمسألة ليست كذلك ولفهمها لابد لنا من المثال التالي: شخص يريد ان يتزوج من فتاة من عائلة معينة هو ليس به عيوب ولكن في عائلته الوالد أو الوالدة أو الأخ به عيب (مرض نفسي، تشوه خلقي ...) هذه الصفات الوراثية ستنتقل للأجيال الجديدة الابن أو الحفيد أو فتاة تنتمي إلى عائلة يغلب عليها طابع الإجرام والعنف فشجرة العائلة بها هذه الصفات. فآدم هذا الجنس الإنسي الجديد الناتج عن عمليات الخلط، قد تمّ تنحية الصفات العنيفة والسيطرة عليها ( بلسها) غير أن التزاوج بسلالة خارج المأدومين  والتي مازالت في طور النمو و التطور نتج عنه جيل فيه صفات العنف بسبب انتقال هذه الصفات الوراثية إلى الأجيال اللاحقة التي تنتمي إلى آدم وهذا ما عبّر عنه الذكر الحكيم بالهبوط وظهور الصفات السيئة (سَوْآتُهُمَا ) ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ أي استمرت عملية التناسل والتزاوج وليس كما قال المفسرون أنهم بعد الأكل من الشجرة ظهرت عورتهما و غطّياها بورق الجنة.
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾(115) طه. إذا جنس آدم اختلط بهذه الأعراق والتي مازالت في طور البناء والسيطرة على صفاتها السيئة وبلسها وكانت النتائج سيئة بسبب اختيار آدم (الإرادة) وهي ما عبّر عنها القرآن بنفخة الرّوح، فهذا الاختيار والتزاوج من الشجرة المنهية عنها كانت نتائجها ذرية مختلطة الصفات مع بروز الصفات السيئة.
مقاييس اللغة لأبن فارس:
(خَصَفَ) الْخَاءُ وَالصَّادُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى اجْتِمَاعِ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ. وَهُوَ مُطَّرِدٌ مُسْتَقِيمٌ. فَالْخَصْفُ خَصْفُ النَّعْلِ، وَهُوَ أَنْ يُطَبَّقَ عَلَيْهَا مَثَلُهَا.
(طَفِقَ) الطَّاءُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ صَحِيحَةٌ. يَقُولُونَ: طَفِقَ يَفْعَلُ كَذَا، كَمَا يُقَالُ: ظَلَّ يَفْعَلُ.
فالهبوط في النص القرآني ليس كما فسروه هو الهبوط من فوق إلى تحت ، بمعنى من الجنّة الموجودة في السماء إلى الأرض ، وإنما هو انتقال من حال إلى حال آخر أو من هيئة إلى هيئة أخرى كما حدث مع قوم موسى عليه السلام قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ البقرة:61.
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ﴾123 طه
الخطاب هنا مثنى وموجه لجنس، جميعا أي مجموعات وليس فردين آدم وحواء، بعضكم لبعض عدو هنا جاء التبعيض ليدل أن المجموعة تحتوي على أكثر من اثنين من الأفراد وليس آدم وحواء كما فهموا، أعداء لبعضهم بعضا، أي أن هناك أكثر من مجموعة.
حواء لم تذكر في الذكر الحكيم بل اسم أقحم في التفاسير وتبنّاه المفسرين وما انجر عنه من قصة الخلق ككل، كما أثبتت الدراسات العلمية الحديثة (الرياضيات) أنه من المستحيل أن يتكون هذا العدد من سكان الأرض من شخصين فلابد أن تكون هناك جذور وسلالات مختلفة التي باستطاعتها أن تنتج هذا الرقم.
معنى آدم:
ابن فارس معجم مقاييس اللغة:
(أَدَمَ) الْهَمْزَةُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُلَاءَمَةُ، وَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -وَخَطَبَ الْمَرْأَةَ - : لَوْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا . قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُؤْدَمُ يَعْنِي [ص: 72] أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا الْمَحَبَّةُ وَالِاتِّفَاقُ، يُقَالُ: أَدَمَ يَأْدِمُ أَدْمًا.
 ابن منظور لسان العرب:
أدم: الْأُدْمَةُ: الْقَرَابَةُ وَالْوَسِيلَةُ إِلَى الشَّيْءِ. يُقَالُ: فُلَانٌ أُدْمَتِي إِلَيْكَ أَيْ وَسِيلَتِي. وَيُقَالُ: بَيْنَهُمَا أُدْمَةٌ وَمُلْحَةٌ أَيْ خُلْطَةٌ، وَقِيلَ: الْأُدْمَةُ الْخُلْطَةُ، وَقِيلَ: الْمُوافَقَةُ. وَالْأُدْمُ: الْأُلْفَةُ وَالِاتِّفَاقُ ; وَأَدَمَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ يَأْدِمُ أَدْمًا. وَيُقَالُ: آدَمَ بَيْنَهُمَا يُؤْدِمُ إِيدَامًا أَيْضًا،
الْأَدَمَةُ: بَاطِنُ الْجِلْدِ الَّذِي يَلِي اللَّحْمُ وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرَهُ، وَقِيلَ: ظَاهِرُهُ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّعْرُ وَبَاطِنُهُ الْبَشَرَةُ.
وَرَجُلٌ مُؤْدَمٌ أَيْ مَحْبُوبٌ. وَرَجُلٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ: حَاذِقٌ مُجَرَّبٌ قَدْ جَمَعَ لِينًا وَشِدَّةً مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِالْأُمُورِ، وَأَصْلُهُ مِنْ أَدَمَةِ الْجِلْدِ وَبَشَرَتِهِ، فَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُهُ.
هذا اصطلاحا أما التوقيفي (حروف الكلمة لها معاني ثابتة ومحددة وهي التي أجبرت الكلمة على إعطاء معنى محدد) مثلا نقول على المرأة الشريفة الملتزمة امرأة محصنة والقلعة بالحصن والفرس بالحصان كل هذه الكلمات مشتقة من نفس الكلمة وهي الحصن .
أَدَمَ:
أ: تمثل نقطة تقاطع الزمان والمكان.
الدال: تربط النهايات بالبدايات (عملية خلط) وتتمم المعنى الذي يسبقها.
الميم: مختصة بالتكوين المادي في موضع معين وتضع له الشخصية.
إذا أَدَمَ مزج بوعي لإنتاج تكوين جديد له شخصية مختلفة وتراكم موضعي قوي وباختصار خلط بوعي لتكوين واضح.
وآدَمْ كيان لشخصية جديدة ناتجة عن خلط واعي ومتواصلة لفترة زمنية طويلة لأن الياء (آ) تشير إلى الزمان .(قصي هاشم فاخر)
القرآن والتطور التدريجي:
﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) ﴾نوح .
-        هناك قانون سابق لعملية الإنبات (وَاللَّهُ) ولم يقل (اللَّهُ). فهذا القانون هو الله سبحانه وتعالى ثم صارت عملية الإنبات.
-        الله سبحانه وتعالى قال أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ولم يقل أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ إنَبَاتًا وهناك فرق لأن نباتا تدل على مراحل بمعنى أن النبتة أو الزرع أو الشجرة تبدأ ببذرة وتمر بمراحل متعددة أثناء نموها وتحتاج إلى بيئة ملائمة ثم تتكاثر عن طريق اللقاح وهكذا... بينما إنباتا هي عملية واحدة فقط وبصورة كاملة وفجأة ، وتكون هذه أقرب إلى التمثال ونفخ الروح فيه (التصميم الذكي) كما يقولون.
-        بعد الموت وعملية التحلل تتم عملية البعث مرة واحدة لذلك قال الله وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ولم يقل وَيُخْرِجُكُمْ خُرُوجَا.
كيف صارت عملية الإنبات (الخلق)
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) ﴾الحجر
-        عملية الخلق صارت بالبداية (البشر) ثم صارت عملية السجود التي جاءت بالأخير بعد نفخة الروح (الإنسان).
-        هذه المراحل المستمرة والمتلاحقة تطلبت وقت طويل (صلصال وهو في الأصل حمأ مسنون ثم نفخة الروح ثم السجود).
-        ربط الله هذه العمليات بواو العطف وذلك للدلالة على أن هذه المراحل مرتبة ومنسقة وتخضع لقوانين.
-        أول مرحلة هو خلق الجان من نار السموم.
-        إذا الخلق بدأ بالحمأ ثم تحويله إلى حمأ مسنون بعد ذلك تحويل الحمأ المسنون إلى صلصال ومنه تمّ خلق البشر ثم عملية النفخ (الروح) فيهم ليصبحوا الإنسان وأخير عملية السجود. وهذه العمليات أخذت ملايين السنين.
-       في بداية الآية أعطى الله سبحانه وتعالى فكرة عامة على أن الإنسان خلق أصلا من صلصال من حمأ مسنون وأن الجان من نار السموم، بعدها فصّل لنا عملية الخلق والتطور حيث أن الإنسان أصله بشر الذي خلق من نفس المادة وبعد التسوية ونفخة الروح في هذا البشر تحول إلى إنسان.
وقد عبّر الله سبحانه وتعالى عن هذه المراحل في الآية التالية﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تصرفون﴾الزمر6
 وقال﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ (20) ﴾الزمر
بداية الخلق كان من خلية واحدة نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وكان انقسام الخلية ذاتيا ثم جاء قانون الزوجية (التكاثر الزوجي) ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا. ونحن نعلم أن الذكر فيه الأنثى والذكر (X Y) بينما الأنثى فيها أنثى واحدة (XX) بمعنى أن الأنثى خرجت من الذكر.
ظهر البشر وانتشر مع وجود الأنعام (الحيوانات العاشبة) أي منذ ملايين السنين (50 مليون سنة تقريبا) أي بعد انقراض الديناصورات، هنا بدأ ظهور الثدييات بما فيهم البشر على سلم الخلق مع ظهور الأنعام.
بين التراب، أصل المادة الأولى وهي مواد معدنية إلى أن وصل إلى بشر أخذت مدة زمنية طويلة جدا، وقد عبّر الله عنها بـــ ثُمَّ إِذَا، فـــ ثُمَّ هي أداة ترتيب مع التراخي وإِذَا أداة حتمية الوقوع تفيد الزمن ولقد ربط الله هذه الأداتين للتعبير عن فترة زمنية طويلة جدا.
ظهر البشر المنتصب الذي يمشي على رجليه حيث تحررت يداه وانتشر في الأرض منذ حوالي 5 ملايين سنة وكان ينتمي إلى المملكة الحيوانية (آخر المكتشفات العلمية).
بدأ الخلق من البحار (الظلمة الأولى) ثم البرمائيات (البيض، الظلمة الثانية) ثم الرحّم (الظلمة الثالثة) وهي عملية اختزال للخلق خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ وهذه من الآيات البيّنات اللذين قالوا عنها سحر مبين لأنها غامضة ولم يفهموها.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ﴾الحج
﴿ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61) هود
﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ (32) ﴾النجم
ففي الآيات أن العملية الأولى هي الإنشاء من الأرض وذلك كقضية عامة للخلق وهي عملية تركيب معقدة ومدروسة والإنشاء هو البناء، ونحن نعلم أن عملية البناء تتطلب مخطط مدروس وهذا هو الإنشاء مثل ما نقول منشآت صناعية هي أبنية ولكن وراءها مخططات مدروسة ولها هدف معيّن وراء بناءها ...
الإنشاء عملية تركيب لمواد مركّبة ومعقدة ومدروسة ولا يعني الخلق البسيط، كما هو الحال للبيوت والطرقات والجسور التي تدخل في تركيبها مواد مختلفة ومعقدة وبحساب إلى جانب الخرائط أو المخططات سلفا. ثم هناك عملية إنشاء ثانية مشابهة للأولى وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ (النطفة والبويضة). فالإنشاء الأول تطور عام أما الإنشاء الثاني تطور خاص.
استعمار الأرض ليس كما ذهب له جلّ المفسرين بان الله عمّر الأرض بالإنسان، بل استعمار الإنسان في الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا وليس على الأرض والاستعمار عائد على الناس وليس على الأرض بمعنى أن عملية تطوير البشر تمت بما يناسبه وليس تطوير الأرض بالبشر وإلا لقال الله وَاسْتَعْمَرِهَا بكُمْ مثل دولة تستعمر دولة أخرى ويكون مبررها تعمّير البلد أي جلب أشياء جديدة مثل الاختراعات الجديدة ونظم جديدة في شتى المجالات أي أستعمركم. فاستعمار الشيء هو البناء وتطويره.
﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) ﴾الأنعام . الخطاب هنا ليس للمؤمنين بل لمعشر الإنس والجن أجمعين، موجه لهم كلهم لكل البشر وهي إمكانية الله من باب الربوبية (ربك) تغيير أقوام بأقوام أخرى أو إفنائهم وتبديلهم بأقوام جدد ( تعاقب الحضارات) ثم الحديث عن النشأة من ذرية قوم آخرين وتداخلها مع بعضها وانتقال الصفات الوراثية من جيل إلى آخر حيث تنتج لنا عملية التطور صفات قادرة على البقاء وأخرى تفنى (السلالات البشرية عبر الزمن) ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) ﴾العنكبوت . عملية الخلق والنشوء لها بداية إلى أن تصل إلى النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ لذا أمرنا الله أن نبحث في مسألة الخلق وقد توصل الإنسان في الوقت الحاضر بعد بحث طويل إلى أننا نحن البشر خلقنا وتطورنا من سلالات بشرية موغلة في التاريخ.
نشأة وتكون السحب هي معقدة وليست ببسيطة، فهناك العديد من العناصر والمركبات التي تدخل في هذه العملية من بحار وبخار الماء والرياح ودرجات الحرارة والذرات المتواجدة في الجو والصواعق ... لذلك عبر عنها الله في قوله
﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) ﴾الرعد. فالنشأة لا تأتي هكذا جملة واحدة بل تمرّ بمراحل كثيرة للوصول إلى نتيجة معينة مخطط لها(قوانين).
عموما هناك العديد من الآيات التي تبرهن أن آدم لم يخلق من تمثال من الطين وأن الله نفخ فيه الروح أي سر الحياة كما يقولون ومن ضلعه خلقت حواء كما يقولون بل آدم ما هو إلا جنس وسلالة من البشر نتيجة عملية تطوّر معقدة عبر ملايين السنين والروح ليست سر الحياة. فما هي الرّوح؟
الرّوح:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) ﴾الاسراء
في هذه الآية جواب عن الرّوح وقد فهمها الشرّاح على أن هذه المسألة من علم الله، لأن الرّوح لديهم هي سرّ الحياة وهي النفس وهذا غير صحيح، فحينما أجاب على السؤال بقوله (قل الروح) فالجواب هو تعريف للروح ولو أراد النفي والإعراض عن الإجابة لصاغ العبارة بشكل آخر كما في قوله تعالى لنوح عليه السلام:﴿ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ ﴾هود 46 .
 فالرّوح ما يعبّر عنها الذاتي بمعنى ليس له و جود موضوعي مثل الصّوم فهو سلوك ذاتي فنحن نرى إنسان صائما ولا نرى الصّوم مجّرد ( كشكل) وكذلك الصلاة و التقوى والإحسان والحب و الكراهية... فالرّوح هي أوامر ربّ العالمين قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ، والمعرفة أي معلومات ربّ العالمين وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا وهذا الجواب ليس نفيا بل إمكانية المعرفة مستقبلا لأن الآية تؤكد عن قلة معرفتنا وما أوتينا من العلم وذلك بما يتضمنه الفعل الماضي أُوتِيتُم  ، فالتنزيل الحكيم وهو مجموعة أوامر ومعرفة وهذا هو الوحي  لذا قال الله سبحانه و تعالى  في آخر الآية وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ( أوامر ربّ العالمين والمعرفة )
فالروح ليست سرّ الحياة بل هي الذاتي، هي أوامر ربّ العالمين والمعرفة (القوانين)
فالروح سرّ الأنسنة وهذه ليس لها وجود ذاتي فالله سبحانه وتعالى خلق الموت والحياة، فالنفس تموت وتحيى ولا علاقة للروح بالموت والحياة إطلاقا، فالله خلق الأنفس بما فيها أنفس الحيوانات ولكن ليس لها روح. فالنفس تموت وتحيى. فالقمر أو المريخ له وجود موضوعي فهو حقّ أما معلوماتنا عنه هي الرّوح.
فالرّوح هي حياة النفس وتدخل فيها الإرادة.
النفخ:
﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) ﴾ الكهف
﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) ﴾الحاقة
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) ﴾ الزمر
النفخ هو عبارة عن عملية تسريع لشيء ما لتغيير سيرورته. فهذه المسألة ما هي إلا عملية تعليمية، ففي البداية كان البشر ينتمون إلى المملكة الحيوانية وكانت عملية التواصل فيما بينهم تتم عن طريق الصياح للتحذير أو بأصوات خفيفة للتعبير عن شيء ما.﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) الحجر. وقال تعالى في سورة الكهف.﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) ﴾ورجلا ليس بمعنى ذكر وإنما ترجّلت. هنا التسوية ليست صناعة أو خلق إنسان وإنما هي مرحلة جديدة وهي انتصاب هذا البشر فقد كان في السابق يستعمل يداه ورجليه في التنقل وكان يقضي معظم أوقاته في الأشجار، فالتسوية هي الانتصاب حينها تحررت يداه وبدأ بالتنقل وقد حصل هذا منذ حوالي 5 ملايين سنة (آخر الأبحاث العلمية).
تعليم آدم الأسماء كلّها:
﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ 31 البقرة.
تفسير الطبري:
646- حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: علم الله آدم الأسماء كلها, وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسانٌ ودابة, وأرض وَسهل وبحر وجبل وحمار, وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. (102)
647- وحدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثني عيسى، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد - وحدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شِبْل, عن ابن أبي نَجيح, عن مجاهد، في قول الله: " وعلم آدم الأسماء كلها "، قال: علمه اسم كل شيء.
648- وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن خُصيف, عن مجاهد: " وعلم آدم الأسماء كلها "، قال: علمه اسم كل شيء (103)
649- وحدثنا علي بن الحسن, قال: حدثنا مسلم الجَرمي, عن محمد بن مصعب, عن قيس بن الربيع, عن خُصيف, عن مجاهد, قال: علمه اسم الغراب والحمامة واسم كل شيء (104 )
650- وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن شَريك, عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جبير, قال: علمه اسمَ كل شيء, حتى البعير والبقرة والشاة (105)
651- وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي، عن شَريك, عن عاصم بن كليب, عن سعيد بن مَعبد، عن ابن عباس, قال: علمه اسم القصعة والفسوة والفُسَيَّة (106).
652- وحدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن عاصم بن كليب, عن الحسن بن سعد, عن ابن عباس: " وعلم آدم الأسماء كلها "، قال: حتى الفسوة والفُسيَّة.
653- حدثنا علي بن الحسن, قال: حدثنا مسلم, قال: حدثنا محمد بن مُصعب, عن قيس، عن عاصم بن كليب, عن سعيد بن مَعبد, عن ابن عباس في قول الله: " وعلم آدم الأسماء كلها "، قال: علمه اسم كل شيء حتى الهَنة والهُنَيَّة والفسوة والضرطة.-654 --وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا علي بن مسهر, عن عاصم بن كليب, قال: قال ابن عباس: علمه القصعة من القُصيعة, والفسوة من الفسية (107)
655- وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع, عن سعيد, عن قتادة قوله: " وعلم آدم الأسماء كلها " حتى بلغ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ، فأنبأ كل صنف من الخلق باسمه، وألجأه إلى جنسه (108) .
هكذا تمّ تفسير هذه الآية وكذلك معظم المفسرين ، مهزلة بمعنى الكلمة .
نحن نعلم أن مسالة التعّلم لابد لها من أدوات، والله سبحانه وتعالى في هذه الآية لم يذكر لنا أداة التعّلم زد على ذلك﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ﴾لو كان المقصود بالأسماء لقال ثُمَّ عَرَضَها فالأسماء لا تعرض كالتوبة، الحب، المشاعر، المعصية... بل المسّميات (ثُمَّ عَرَضَهُم ) وذلك عن طريق التمييز، فجنس آدم  وبعد عملية التطور والتي امتدت عبر ملايين السنين بدأ يمّيز بين كل الأشياء التي تصدر أصوات ( الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ) وهو ما يطلق عليها العلاقة الطبيعية بين الصوت و المدلول ، فكل شيء يصدر صوتا من حوله بدأ يميّزه  وهذا حدث قبل نشوء اللّغة وهذه هي الأداة ( التمييز) ، وقد ذكرها الله في سورة العلق هو القلم ( التمييز والتفريق بين الأشياء) ﴿ إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ (7) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ (10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ ( 12 ) ﴾ القلم
فالحيوانات لديها قلم فهي تميّز الأشياء إما عن طريق الرائحة (الشم) أو عن طريق السمع أو البصر ... وهذه الحواس لديها قوية أكثر من الإنسان.
هل آدم خليفة الله في الأرض؟
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ﴾ البقرة 30
﴿وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾ الاعراف 142
﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ 26 ص
من ضمن معاني الخلافة هي الحكم وهذا يتطلب إرادة (سلطة) ومعرفة، فالبشر بعدما انتشروا في الأرض بدأت عملية التطور حتى وصل إلى الإنسان العاقل (نفخة الروح) حيث اكتمل نموّه وأصبح هو المسيطر وتكيّف مع محيطه وأن هذا الإنسان سيصل إلى الفضاء وسوف يكفر وسوف يؤمن بملأ إرادته.

فمصطلح خليفة كما فسروها أن آدم هو خليفة الله مغاير تماما لما جاء في الآية إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.

Subscribe by Email

Follow Updates Articles from This Blog via Email

4 Comments

avatar

رحم الله الدكتور محمد شحرور واسكنه فسيح جناته

Reply Delete
avatar

رحم الله الدكتور محمد شحرور

Reply Delete
avatar

رحمه الله ، محمد شحرور وغيره فتحوا الباب المغلق والمحرّم وما علينا إلا مواصلة المشوار لإنارة العقول

Reply Delete
avatar

إن شاء الله لأن مفهوم الانس و الجن والشيطان والملائكة مواضيع طويلة سأنشرها تباعا

Reply Delete

About