شبهات و بينات - عبدالباسط يحياوي

الاثنين، 23 سبتمبر 2019

thumbnail

سورة الفيل وقوم لوط


بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5(

سورة الفيل هي من قصار السّور، وكما نعلم أو كما علّمونا لها علاقة بحدث تاريخي والتي لازالت عالقة في أذهاننا ، وهي إقدام ابرهة الحبشي وهو حاكم اليمن على تحطيم الكعبة وذلك في العام الذي ولد فيه النبي ، وقد بيّنت في بحث سابق تحت عنوان " عام الفيل ليس بعام مولد النبي"  وتوصلت أنه لا علاقة لهذا الحدث الذي ربطوه بمولده وأن حاكم اليمن لم يرسل جيشا من أجل تحطيم الكعبة بسبب الغرائب التي لا حصر لها ، وقد اعتبر المفسرون أن معجزة سماوية ( طيور أبابيل ) حدثت في الدفاع عن مكة والكعبة بالذات .

فالدارس لهذه القصة في كتب التفاسير سيجد الكثير من الإشكالات من بينها كما بيّنتها :

-                لم يعثر على أي وثيقة في المنطقة تفيد أن الفيلة كانت تستعمل في الحملات العسكرية لدى الأحباش واليمنيين.

-          كيف يعبر الفيل مسافة أكثر من 700 كيلومترا في الصحراء بين اليمن ومكّة، وما يتطلّبه من ماء وطعام ليواصل المسيرة مع الجيش. (يلتهم الفيل يوميّا أكثر من 150 كيلوجراما من العشب وأكثر من 140 لترا من الماء.)

-          أبرهة حسب المرويات التاريخية  كان معروفا وذا شأن في ذلك الوقت حيث كان يستقبل الوفود الأجنبية (الفرس، الروم والأثيوبيّون والغساسنة واللخميون فمن غير المنطقيّ أن يجيّش أبرهة الجيوش وما يتبع ذلك من مصاريف ونفقات وأموال ليتوجّه نحو هدم الكعبة وهي في ذلك الوقت مجرّد مكعّب حجريّ في قلب الصحراء لا يتجاوز ارتفاعه أربعة أمتار ونصف.فكان بإمكانه إرسال مجموعة صغيرة من المتسللين ليلا مثلا وحرقها.

-          إلى جانب ذلك أبرهة الأشرم وكما تقول  كتب التاريخ، كان شجاعا وحكيم وموحّد  والذي حاول استمالة النجاشي حاكم الحبشة و ملك ملوكها وذلك عبر بناء كنيسة في صنعاء عرفت باسم غرفة القليّس وعن طريقها حاول استمالة العرب الحج إليها وإبعادهم عن مكة ، وهذه المسألة غريبة نوعا ما فمكة وكما هي معروفة كانت أقرب أن تكون ملتقى ثقافي من أن تكون مكان للصلاة كالكنيسة وكيف يمكن إقناع الناس بالتحول إلى اليمن ؟  زد على ذلك لماذا ينصر الله قوما مشركين به ومن عبدة الأصنام على موحد صاحب الدين التوحيدي؟ فإذا اعتبرنا ما حصل لجيش أبرهة آية ربانية فهي آية لعبدة الأصنام وهذه مفخرة لهم وبالتالي لا تشير إلى أنها آية ربانية.

وهنا يطرح السؤال ، فإذا كانت الكعبة كما يقولون مقام الله تعالى أراد حفظه ؟ فهي بحد ذاتها تعرضت للهدم قبل هذه الحادثة و بعدها ، فالمسلمون قذفوها و حطموها بالمجانيق كما ان القرامطة نزعوا الحجر الأسود من مكانه وتمّ نهبها و حرقها .

مسألة الطيور غريبة الشكل وماهيتها لم توضّحها القصص كما أنّها لم تذكر لنا مصدر الحجارة ، فكل قصة مناقضة للأخرى سواء من حيث شكل الطيور و أحجامها و ألوانها إلى جانب الحجارة ، ففي بعض الحضارات كالآشورية نجد أن الطيور نصرت بعض الجيوش ضد أعدائهم  وكما هو معروف في المصحف كانت الملائكة هي التي تقوم بهكذا دور ، مثل ما حصل مع قوم نوح و قوم لوط ، فسيناريو هذه القصة غريب وعجيب .

هذا الشرح التقليدي للقصة عاجز عن الثبات أمام المحاكمة المنطقية والتاريخية لذا سأحاول وبالإعتماد على التراكيب والألفاظ الموجودة في السورة ، معرفة القصة الحقيقية بحيث تكون النتيجة منسجمة مع آيات السورة .

لابد من الإشارة في البدء أن قوله تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ، هي رؤية ذهنية و قد اتفقت جميع التفاسير على هذا المعنى، فلا يعقل - وبما أن الخطاب موجه للنبي- أنه أبصر بعينه هذه الحادثة فالجميع متفق أن الحادثة صارت قبل ولادته.

لفهم السورة  لابد لنا من فهم ألفاظ وتراكيب السورة والتي تعتبر مفاتيحها أهمها : الفيل – الطير – الأبابيل – السجيل

بعد استعراضنا عدم تطابق السورة مع الأحداث التاريخية والتي اعتمدها المفسرون ، لنفترض أنها لا تشير إلى حيوان الفيل وأن السورة تتحدث عن عقاب إلهي أصاب قوم من الأقوام .

الفيل من الجذع اللغوي فَيَلَ

الفاء والياء واللام أصل يدلُّ على استرخا ء وضَعْف . يقال: رجل فِيل الرَّأْي. قال الكمَيت:
بني ربِ الجوادِ فلا تَفِيلوا      فما أنتمْ فنَعذِرَكم لِفِيلِ
ويمكن أن يكون )الفائل( من هذا، وهو اللَّحم الذي على خرْبة الوَرِك. ويسمَّى للينِه. وقال أبو عبيد: كان بعضهم يجعل الفائِلَ عِرقا . ومما شذ عن هذا الباب المفايَلة: لعْبة. يخبئون الشَّيء في التُّراب ويَقْسِمونه قسمين، ويسألون في أي هما هو. قال طرَفة:
يشقُّ حَبَابَ الماءِ حَيزومها بها    كما قَسَم التُّرْبَ المفَايِل باليد
( مقاييس اللغة - ابن فارس)

الفيل معروف. جمعه فيلة وفيول. قال: }ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل{ ]الفيل/ 1 ،]ورجل فيل الرأي، وفال الرأي، أي: ضعيفه، والمفايلة: لعبة يخبئون شيئا في التراب ويقسمونه ويقولون في أيها هو، والفائل: عرق في خربة الورك، أو لحم عليها. (مفردات الراغب الاصفهاني )

وفَال رأْيه يَفِيل فَيْلولة: أَخْطأ وَضَعف. ويقال: ما كنت أ حب أَن يرى في رأْيك فِيَالة.

ورجل فِيل الرأْي أَي ضعيف الرأْي؛ قال الكميت:

بني ربِ الجوادِ فلا تَفِيلوا      فما أنتمْ فنَعذِرَكم لِفِيلِ
ورجل فِيل الرأْي والفِراسة وفال هو فَيله وفَيْله إِذا كان ضعيفا ، والجمع أَفْيال.ورجل فال أَي ضعيف الرأْي مخطئ الفِراسة، وقد فال الرأْي يَفِيل فيولة.وفَيل رأْيَه تَفْيِيلا أَي ضعَّفه، فهو فَيل الرأْي
)لسان العرب( لابن منظور
لا أدري لماذا يترك هذا المعنى لدى أرباب المعاجم ويتمسك المفسرون برواية وقصة غير منطقية ويصرّون أن الفيل هو ذلك الحيوان ويتمسكون بأحداث تاريخية غير موثوقة بل خرافية
فحسب الألفاظ  أَصْحَابِ الْفِيلِ هم أصحاب الرأي الضعيف ، الفاشلين ،الرأي البائد وهذه السورة لها علاقة بقوم لوط وهي حادثة مشهورة وكان العرب يتناولونها في حواراتهم وأحاديثهم قال تعالى ( وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138). الصافات . وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّون لا تعني المرور الفيزيائي أي سيرا على الإقدام وإنما المرور الذهني والإدراكي( الحوار و الحديث).
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) هو تأكيد للقصة .
معنى الطير
الطير من طَيَرَ
يقول ابن فارس في معجم مقاييس اللغة ما يلي:
الطاء والياء والراء أصل واحد يدلُّ على خِفة الشَّيءِ في الهواءِ .ثمَّ يستعار ذلك في غيرِهِ وفي كل سرعة. من ذلك الطَّير: جمع طائر، سميَ ذلك لما قلناه. يقال طارَ يَطير طَيَرانا . ثمَّ يقال لك لمَنْ خفَّ : قد طار. ... وقال: ويقال مِنْ هذا: تَطَايَرَ الشَّي ء : تفرَّق. واستطار الفجر: انتشر. وكذلك كلُّ منتشِر. قال الله تعالى: يَخَافونَ يَوْمَا كانَ شَرُّه مسْتَطِير ا ]الدهر 7 [. فأمَّا قولهم: تطيَّر من الشيء، فاشتقاقه من الطَّيرِ كالغراب وما أشبهه. ومن الباب: طائر الإنسانِ، وهو عمَله . وبئر مطارَة ، إذا كانت واسعة الفم. قال: ومن الباب: الطَّيْرة: الغضَب، وسمي كذا لأ نَّه يستطَار له الإنسان. ومن الباب قولهم: خذ ما تطَايَرَ من شعر رأسك، أي طال. فالطير ليس كلمة لجمع الطيور وإنما وصف لفعل الطيران فنقول ركض الولد ركضا وطارت الحمامة طيرا. وهناك الكثير من الأفعال اللازمة التي يمكن تحويل مصدرها الى وصف الفعل مثل فِكْرٌ من فَكَرَ، رَقْصٌ من رَقَصَ، كُفْرٌ من كَفَرَ.
وقال الراغب في مفرداته ما يلي:
الطائر: كل ذي جناح يسبح في الهواء، يقال: طار يطير طيرانا، وجمع الطائر: طير ... وتطير فلان، وأطير أصله التفاؤل بالطير ثم يستعمل في كل ما يتفاءل به ويتشاءم، ...عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك(. .... }وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه{ ]الإسراء/ 13 [، أي: عمله الذي طار عنه من خير وشرر، ويقال: تطايروا: إذا أسرعوا، ويقال: إذا تفرقوا ... وفجر مستطير، أي: فاش. قال
تعالى: }ويخافون يوما كان شره مستطيرا{ ]الإنسان/ 7 [، ... وفرس مطار للسريع، ولحديد الفؤاد ... )إنتهى الاقتباس(.
فعليه ينطبق هذا المصطلح على كل شيء متحرك في الجو بما فيها الطيور من باب انطباق هذا المفهوم عليها وبالتالي يمكننا أن نقول طائر وطيارة ونقول جسم طائر في الهواء إذا رأينا شيئا يختلف عن الطائر.
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) يمكن أن تعبّر عن أي شيء يطير في السماء ، شريطة أن تنطبق شكلا مع مصطلح أَبَابِيلَ.
أبابيل من الجذع أَبَلَ
أبَابِيلُ: الفِرَقُ (جَمْعٌ لاَ وَاحِدَ لَهُ) الفيل آية 3 وَأرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيل (قرآن): سِرْباً وَرَاءَ سِرْبٍ، مُتَتَابِعَةً، مُتَجَمِّعَةً أبابيلُ: جمع إبالة  (معجم المعاني)
إِبِّيلًا إِبِّيلًا أَي قَطيعًا خَلْفَ قَطِيعٍ؛ قَالَ الأَخفش: يُقَالُ جَاءَتْ إِبلك أَبَابِيل أَي فِرَقًا، وَطَيْرٌ أَبَابِيل، قَالَ: وَهَذَا يَجِيءُ فِي مَعْنَى التَّكْثِيرِ وَهُوَ مِنَ الْجَمْعِ الَّذِي لَا وَاحِدَ لَهُ؛ وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: جَاءَ فُلَانٌ فِي أُبُلَّتِه وإِبَالَته أَي فِي قَبِيلَتِهِ. (لسان العرب)
فالإبل هي عبارة عن أجسام كبيرة مشحونة بالطاقة تتنقل وتنتشر بأوضاع مختلفة مؤثرة في المحيط.
وبالتالي فإن طَيْراً أَبَابِيل هي أفكار برغم حجمها الصغير والمتتالية تمت بها إجابتهم باتت كبيرة وتتعاظم
تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ
السجيل من سَجَلَ
سجل : السِّجِلُّ : الدَّلْوُ الضَّخْمَةُ الْمَمْلُوءَةُ مَاءً  كذلك يقال على الدفتر السجل لما يحتويه من حسابات و تقارير تكون منسّقة ومرتّبة ويمكن إطلاق مصطلح سجلاَ على القدر الكبير في المطبخ وكذلك التنور سجلا أو سجيلا حيث تذوب فيه المحروقات مع بعضها البعض والذي يحتاج إلى بعض الوقت لذا فإن داخل البركان يطلق عليه سجيلا .
فببساطة الحجارة من سجيل هي حجج وأدلة من كتبهم وسجلاتهم التي يضلون عاكفين عليها وكلّها اباطيل فأصبحت أفكارهم وتصرفاتهم (الفاحشة) وهي كل شيء زاد أو نقص عن طبيعته لم تبق لها قيمة .
ولو استعرضنا الآيات التي تتحدث عن قوم لوط سنجد أن الوصف مطابقا تماما قال تعالى ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82() هود 
منضود: نضيد، متراكم بعضه فوق بعض. والنَّضَد: ما نُضِّد من متاع البيت.
عصف مأكول: كزرع أكلته الدواب وأخرجته بعد هضمها وتيبسه، حيث ينتشر بفعل الريح لصغر حجمها، فالمادة المتبقية وانتشارها بفعل الريح هي في الحقيقة العصف. ونجد مصطلح العصف في الآية التالية (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) )الرحمان. وهو كل شي تافه في حجمه منتشرا بسهولة كالأوراق اليابسة و المتفتتة / التبن / بقايا الروث / بقايا ما يسقط من فم الحيوانات / حبوب اللقاح ... أما الريحان فهي العطور والروائح التي تنتقل عبر جزيئات صغيرة تدخل عبر الأنف والتي يتم تحليلها ومعرفة نوعها ورائحتها.
السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الرسائل التي تريدها هذه السورة ايصالها إلى النبي وقومه ولمن وصله القرآن لاحقا؟
-          الحث على التقوى و  الإلتزام بالقوانين الإلهية والسعي لفهمها والابتعاد عن الشرك.
-          كل رأي ضعيف والذي لا يتحلى بالحكمة والرشاد (فيل أو فائل) لا بد أن يؤدي إلى الدمار والخراب.
       
      

Subscribe by Email

Follow Updates Articles from This Blog via Email

No Comments

About