شبهات و بينات - عبدالباسط يحياوي

الاثنين، 28 يناير 2019

thumbnail

النبي سليمان وملكة سبأ - الجزء الثاني -


سيدنا سليمان والهدهد:
لما تفقد سيدنا سليمان الطير (طائرات شراعية أو مناطيد أشياء تطير يقودها أناس) لم يجد في جولته التفقدية الهدهد﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) .
فما كان رد الهدهد ليبرر غيابه:
1-        أنه كان في مهمة وهذا واجبه.
2-       جاء بخبر، سيدنا سليمان ليس عنده إحاطة به هو أن هناك مملكة قوية تشبه مملكته  .
3-       من يدير شؤون هذه المملكة  بالأمر و النهي عنده حاشية ينفذون تلك الأوامر﴿ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾.
4-       هذه المملكة مشركة بالله .
 فالهدهد عرض تقريره على سيدنا سليمان ليختم تقريره، وكيف أن الشيطان زيّن لهم أعمالهم  ليشعر النبي سليمان  بأهمية القضية وما رآه في هذه المملكة التي تشبه مملكته ولكنها في ظلال.
فبعد الاستماع بإصغاء وتدبر أوكل له مهمة أخذ رسالة إلى ملكة سبأ وهذا يدل على ثقة سيدنا سليمان بالهدهد.
قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ هنا المسألة ليست متعلقة بالهدهد بل بالمملكة/البلاد التي ذهب إليها فسيدنا سليمان له دراية ببقية الممالك أما مثل هذه المملكة فهي غائبة عنه وأراد أن يتأكد من الشق الثاني من المسألة وهي عدم توحيد الله ولو كان يشك في الهدهد بأنه كذب عليه ليبرر غيابه لأرسل غيره ليتأكد إن كان من الصادقين أم لا؟ فمسألة الشرك لمملكة تشبه مملكته من ناحية التنظيم والقوة أقلقه وجذب انتباهه  ، وربما هنا نفهم دعوة سيدنا سليمان حين قال﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ(34)قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) ﴾  ص. نفهم من خلال سياق هذه الآية أن سيدنا سليمان مرّ بتجربة نفسية وصل فيها إلى حالة من الإحباط في إدارة شؤون المملكة التي ورثها عن النبي داوود وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا غير أنه تغلب على هذه الحالة وارتفعت معنوياته  وقرر أن يطوّر أسلوب  وطريقة جديدة في إدارتها ، أما مسألة هبة الملك له وأن لا يكون لأحد من بعده فالمقصود به أن يكون هذا الملك مميز عن بقية الممالك الأخرى و المجاورة له و" مِّن بَعْدِي" غير "بَعْدِ" وقد فهمها المفسرون بعقليتهم الخرافية وما يملكه سيدنا سليمان من خوارق أن لا يكون لأحد سواه إلى قيام الساعة . فــــ" مِّن بَعْدِي" يقصد بها في زمانه أي في حياته المعاصرة أو بعد موته مباشرة. مثال: "من بعد المعهد تجد بيتي" غير " بعد المعهد تجد بيتي". مباشرة وغير مباشر وهذا هو الفرق، وطلبه هذا غايته طلب الرضا من الله تعالى عما سيفعل وهو نظام قائم على عبودية الله وحده بالمقام الأول ثم يأت بعد ذلك القوة الاقتصادية والإدارية والعسكرية والعلمية ...  وربما يسأل سائل أن هذا الطلب هو طلب ينّم عن أنانية و حب الذات والحقيقة ليست كذلك بل من وراء ذلك حكمة ، فمملكة بهذه المواصفات ويسودها الشرك بالله تتحول الى مملكة طاغية وظالمة وتبدأ بالأتساع لذا طلب من الله هذا الطلب أن يكون هذا الملك له في عصره مبني كما قلت على العبودية لله وأن يرض الله على ما سيفعل ، لذا بعد الفتنة التي تعرض لها بدأ يهتم بأمور المملكة من عدة نواحي وقد بين القرآن ذلك من ناحية التنظيم الإداري والعسكري ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ كذلك من الناحية العلمية ﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) ﴾الانبياء. الشياطين الله سبحانه وتعالى يحفظهم ويحميهم والمقصود هنا وغواص ليس الغوص في البحر وإنما الغوص في بحر العلوم وهم العلماء والمهندسين( الشياطين ولدي بحث في هذا الشأن)  يصنعون له مثلا صَرْحٌ مُمَرَّدٌ وهو عبارة عن مرصد فلكي المتكون من عدسات زجاجية مصقولة لذلك لما دخلت ملكة سبأ الصرح رأت ضوء الكواكب والنجوم  المختلفة الألوان على أرض الصرح فظنته بركة ماء فشمرت على ساقيها .
ابن فارس مقاييس اللغة:(مرد) الميم والراء والدال أصل صحيح يدل على تجريد الشيء من قشره أو ما يعلوه من شعره. والأمرد: الشاب لم تبد لحيته. ومرد يمرد. ومرد الغصن تمريدا: ألقى عنه لحاءه فتركه أمرد، ومنه شجرة مرداء. والمرداء: رملة منبطحة لا نبت فيها، والجمع مرادى . والمارد: العاتي ، وكذا المريد ، كأنه تجرد من الخير . والأمرد من الخيل : الذي لا شعر على ثنته . والممرد : البناء الطويل ، وهو قياس الباب ، لأنه كأنه مجرد يشبه الشجرة المرداء . ويقولون : المراد : العنق ، وهو القياس إن صح . وتمرد فلان زمانا : بقي أمرد . وقولهم: مرد الطعام يمرده مردا : ماثه حتى يلين ، هو من الإبدال ، والأصل مرس ; فأقيمت الدال مقام السين . وكذا مرد الصبي ثدي أمه يمرده . وكذا المريد : التمر ينقع في اللبن ، كل ذلك معناه واحد ، والأصل السين .
 ابن منظور لسان العرب:
والمرد : التمليس . ومردت الشيء ومردته : لينته وصقلته .
هذا الخبر الذي جلبه الهدهد بكل دقة وهذه المعلومات الهامة والمفصلة عن مملكة سبأ، كيف توصل اليها؟ فالهدهد حين غاب مكث في هذه المملكة وعرف أحوالها من جميع النواحي (الإدارية، الاقتصادية والعسكرية) وذلك بحكم ما رآه وسمع من الناس، أما مسألة العرش ربما شاهده في يوم معين . إذا من هو الهدهد حسب الأحداث؟ والجواب هو شخص عاقل عنده مهام وليس بذلك الطائر المعروف! وكيف نصدق أن هذا الطائر ذهب في رحلة ذهاب واياب من فلسطين الى اليمن كما يزعمون وهي رحلة شاقة وطويلة بنسبة لطائر مثل حجمه ثم عرف كل هذه الأمور الهامة ثم بعد ذلك يكلّفه سيدنا سليمان بمهمة أخذ رسالة الى ملكة سبأ، ولا أدري هل أخذها بمنقاره أم قابضا عليها بمخالبه؟ ثم يعطيها هذه الرسالة وينتظر الجواب كما أمره سيدنا سليمان، أليس في هذا استخفاف بالعقل وفيه نوع من السذاجة؟   

Subscribe by Email

Follow Updates Articles from This Blog via Email

No Comments

About