سيدنا سليمان وملكة سبأ:
سيدنا سليمان أرسل رسالة مع الهدهد الى هذه الملكة وأوصاه أن ينتظر الردّ ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ
ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ
إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
(31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً
أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُواْ قُوَّةٍ وَأُولُواْ بَأْسٍ
شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ
إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ
يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ
الْمُرْسَلُونَ (35) ﴾ ص. فور استلام الرسالة و قرأتها ، عقد اجتماع
فيه المستشارين وكبار رجال المملكة ( الْمَلَأُ ) وطلب منهم أخذ القرار وهذا يدل على
التشاور في أخذ القرارات بين الملكة وهذا لا يعني ديمقراطية بل خوفا على مصالحهم و نفوذهم ﴿
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا
حَتَّى تَشْهَدُونِ﴾ بمعنى لن اتخذ قرار حتى تكونوا موافقين عليه وشهداء على ذلك وكان
ردّ المساعدين و المستشارين أننا على ثقة للقرار الذي سيتم اتخاذه ونحن مملكة قوية ومستعدون لأية مواجهة إذا تمّ رفض هذه الدعوة والقرار
قرارك. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ونص الرسالة هذا ليس فيه تهديد
بالحرب و إنما أدعوكم لزيارة مسالمة وأن لا ترفضوها، هنا تمّ أخذ القرار وهو إرسال هدية
لسيدنا سليمان مع رسلها برفقة الهدهد لتبيّن له أنها تملك مملكة لا تقل عن مملكته ولجس
نبض (أي اختبار النوايا) سيما أن سيدنا سليمان لم يرسل لها هدية وهذا يدل على قوة عرشه ﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا
وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾وهذا يدل على :
- أن ملكة سبأ لديها معرفة و علم بسيدنا سليمان وأنه يدير مملكة قوية.
- أن الملكة لديها فكرة عامة عن الملوك ، بحيث اذا قبلت احدى الممالك من مملكة
أخرى طلب ما وأذعنت لذلك فسوف تفتح العديد من الأبواب من الناحية الاقتصادية أو السياسية
أو الثقافية... وبالتالي تبدأ الهيمنة والسيطرة على البلاد مثل ما يحدث الآن
(الدّول القوية تهيمن على الدّول الضعيفة في جميع المجالات).
﴿ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ
اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ
إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ
مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) ﴾ص
فلما جاء سليمان ومعناها لما جاء الهدهد لسليمان ، اذا وصل الوفد وقدّمهم
الهدهد الى سليمان و معهم الهدية ، وهي عبارة
عن أموال لكن هذا لم يعجبه ،فأعتبره نوع من الرياء أو رشوة أو جزية فالنبي سليمان أرسل
دعوة لزيارة سلمية إما أن تقبل أو
ترفض ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) ﴾ص وكان رده أن لديه المال
الكثير و لا حاجة له بهذا وفهم أن الدعوة لم تقبل لذا قال﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ
فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا
أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ وهذا ردة فعل طبيعية من نبي له رسالة أوكلت له لهداية
الناس وعبادة الله سبحانه و تعالى وكان هذا هو الردّ والإخراج لا يعني دحرهم أو طردهم من المملكة و إنما
إخراجهم من الشرك وعبادة الله الواحد حتى يصبحوا تحت رحمته وهم راضون .
المعاجم العربية
ذليل: (اسم)
الجمع : أذِلاّءُ و أذِلَّة و ذِلال
الذَّلِيلُ : الضعيف والمُهانُ
بيتٌ ذليلٌ : قريب السّقْفِ من الأرض والجمع : أَذلّة
ذلٌّ ذليل : مبالغة في الإهانة
الذَّلِيلُ : رفيق رحيم ، ليّن متواضع
الجزء الخامس:
جلب عرش ملكة سبأ:
﴿قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ
يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ
أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي
عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ
طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي
أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40). ﴾ ص.
الفعل جاء هو الحضور ماديا وشخصيا من نقطة زمانية مكانية الى نقطة زمانية مكانية
أخرى محددة. وقد يشمل الإتيان (أتى) ولكن بدون حضور مادي مثلا آتيتك المنزل الذي رغبت في شراءه أي اصبح ملكك ولكن لم أجيء به إليك. والإتيان تقال في بعض الحالات
بالقصد وليس الحضور ماديا.
أما بالنسبة للعرش فالإتيان له معنى آخر
في بداية الآية طلب سيدنا سليمان من مستشاريه من منهم يأتيه بعرش هذه المملكة / الكرسي ولم
يقل من يجيئني بالعرش فالقرآن دقيق في المصطلحات والألفاظ لأن المجيء به يعني العرش بذاته. (فيزيائيا).
قلنا أن جاء هو الحضور ماديا وشخصيا من مكان الى مكان آخر أما الإتيان (أتى)
هو الحضور ولكن لا يتحقق فيه الجانب الفيزيائي أو المادي وإنما يتحقق فيه الخلاصة مثال
على ذلك: قلت لك أن تجيئني بنتائج الانتخابات البلدية بمعنى أن أذهبَ الى مركز
الانتخابات وآخذ نسخة من نتائج الانتخابات و أعود و أعطيها لك كما هي (الجانب الفيزيائي).
بينما عندما تقول لي آتني بنتائج الانتخابات فيمكن أن أعطيك الخلاصة أو فكرة عامة
كنسبة القائمات التي لم تفز والتي فازت، ونسبة عدد الناخبين في عدد معين من
الدوائر... وفي هذه الحالة الجانب الفيزيائي لا يتحقق.
وهناك فرق بين جاء (المجيء) وأتى (الإتيان)، فالمجيء هو إحضار الشيء خارج
دائرة الشخص الذي جاء به قال تعالى﴿ َجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ
قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي
لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾(20) القصص. فهذا الرجل علم بخبر غير موجود ضمن معارف
سيدنا موسى. وقال تعالى﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ
يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾مريم 43 سيدنا إبراهيم جاءه
الوحي من خارج دائرة معارفه وهذا العلم غير موجود ضمن معارف أبوه.
أما أتى بمعنى أعطى أي أن الشخص
الذي أعطى الشيء يكون ضمن دائرته لأن ايتاء الشيء يتطلب امتلاكه قبل إعطائه قال
تعالى. وَاللَّاتِي يَأْتِينَ
الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ
النساء 16 ولم يقل الله واللّاتي جئن.
قال تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة} (النساء 4)، وقوله
تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا
حَسَنًا} (المزمل 20). فقوله تعالى: {… وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ…} (الحشر
7) يعني ما أعطاكم الرسول من عطاء من عنده، أي ما صدر عنه من اجتهادات إنسانية متعلقة
بالتشريع لمجتمعه في حياته باعتباره قائداً أعلى له ولا علاقة للأمر بالوحي. وفي هذه
الاجتهادات كانت الطاعة واجبة على أهل زمانه فقط من أفراد مجتمعه. علما أنّ فعل أتى
من نفس جذر فعل آتى لكن يختلف معه في المعنى، بحيث أنّ فعل أتى من الإتيان وهو فعل
مجرد يقع على الفاعل بينما فعل آتى فمن الإيتاء وهو فعل مزيد ويقع على المفعول وليس
الفاعل، فآتى الإنسان شيئا بمعنى أعطاه لغيره، بينما أتى الإنسان فمعناها حضر بنفسه
كما جاء في قوله تعالى: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى
اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء 88-89).
فجلب عرش ملكة سبأ والإتيان به يكون بالأمر أو بالذات أو التدبير، والذات هو
ذات الشيء أما الأمر فهو خلاصته أو ماهيته لكي يحقق هذه الذات، أما التدبير هو تحظير
المواصفات للشيء المؤت به.
وعلى هذا الأساس فإن سيدنا سليمان ليس بحاجة إلى أن يجيء له ببالعرش بحد
ذاته (فيزيائيا) لسبب : يعتبر هذا سرقة فكيف لنبي أن يفعل مثل هذا العمل
!!!..
أما الإتيان به بناء على مواصفات تشبه العرش الحقيقي فيه عدة
رسائل غير مباشرة مثل:
- أن لديه القدرة للوصول إلى كرسي العرش واستنساخه وذلك بمعية رجاله المخلصين له.
لنقل وبلغة العصر لديه مخابرات قوية.
- أن لديه تقنيات متطورة و عملة وصنّاع مهرة استطاعوا خلال المسيرة أي الانتقال من مملكتك إلى مملكتي وفي هذا الظرف الزمني القصير بأن يصنعوا عرش بهذا الضخامة و ما
يحتويه من تفاصيل دقيقة.
- مسألة العرش ما هي إلا مدخل للتعرف على بقية الإنجازات الأخرى .
ومما يؤكد أن عملية نقل العرش لم تتم فيزيائيا هو سؤال سيدنا سليمان للملأ إن
كان فيهم أحدا يساعده بإتيان العرش ، ولو كان عنده علم بأن هناك شخص بحد ذاته يستطيع
نقل الأشياء من أماكنها مباشرة، لأمره فورا من دون أن يطرح هذا السؤال.
فما هي مسألة العفريت الذي لديه إمكانات تساعده في إحظار العرش قبل أن يقوم
سيدنا سليمان من مَقَامِهِ؟
مَقَامِكَ غير مُقَامِكَ فمُقَامِكَ تعني
المكان الذي تجلس فيه وهنا الخطأ الفادح الذي أوقع جميع المفسرين وفهموا أن مَقَامِكَ
يعني قيامك من كرسي العرش بينما هي تعني شيء آخر.
في المعاجم العربية
المَقَامُ : المجلسُ
في هذا المَقَامُ: في هذه المناسبة
المَقَامُ الجماعة من الناس .
المَقَامُ الموقفُ المُهِمّ .
المُقَامُ : موضعُ الإقامة.
مُقَامُ : إقامة . 2 - مقام : موضع الإقامة وزمانها .
وفي التنزيل الحكيم وردت لفظة مقام في 18 موضع منها 14 مرة مفتوحة الميم مَقَامُ
و04 مرات مضمومة الميم مُقَامُ وهذا يدل على أن هناك فرق بين اللفظتين، فالمفتوحة
الميم تم توظيفها في مقام الله ولا يعقل أن يكون لله مكان يقيم فيه﴿ وَلِمَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ﴾الرحمن. لا يعني هنا مكان الله﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ
(41) ﴾النازعات. فالمقام هنا لا يعني شيء مادي ويتضح ذلك في الآية التي تتحدث عن مقام
سيدنا ابراهيم﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ
آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا
ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) ﴾آل عمران. هنا لا
يعني موقع أو إقامة وإنما المقصود هو مقام ومكانة التوحيد فمن دخله سيكون في أمان من
الشرك والظلال وكذلك ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ
خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ إبراهيم 14.
إذا المقام هو المناسبة، المستوى وفي الأمثال نقول لكل مَقَامٍ مَقَالٍ فمن
غير المعقول أنت في مجلس عزاء وتقول نكتة !!!...
أما المُقَامُ فهي 04 مرات﴿ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ
يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ... ﴾الأحزاب 13.﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ
عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ
مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) ﴾الفرقان.﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن
فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) ﴾فاطر.
كل هذه الألفاظ تدل على مكان الإقامة.
إذا نعود الى العفريت والمقصود﴿ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ
بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ
(39) ﴾ص. هو أنه أي العفريت سيصنع العرش في فترة زمنية تقل عن الفترة الزمنية
التي ستقضيها مع المجلس والملكة ووفدها المرافق لها ( المناسبة) ولنفترض أن وصول الملكة يستغرق
شهر ومكوثها أسبوع فخلال هذه المدة الزمنية (خمسة أسابيع) أستطيع الذهاب الى مملكة
سبأ وأرى العرش وآخذ مواصفاته وميزاته، وقبل عودة الملكة إلى مملكتها يمكن أن ترى عرشها
أمامها. أما الثاني قال لسيدنا سليمان﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ
أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾
في المعاجم العربية
الطَّرَفُ من كل شيءٍ: منتهاه
الطَّرَفُ: النَّاحِيَةُ أَو الجانب
ونقول طرف الطاولة أي نهايتها أو حدودها
ارتدَّ الشَّيءُ: رجَع وعاد.
وقد تمّ ذكر جذع طرف ومشتقاته في الذكر الحكيم في العديد من المواضع (أطراف
الأرض، أطراف الليل والنهار قاصرات الطرف، طرف من الذين كفروا، النظر من طرف خفي) فعلى
سبيل المثال لكي نفهم ارتداد طرف سيدنا سليمان:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ... ﴾هود 114 بدايته ونهايته.
﴿ فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ
لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴾(130) طه
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا
ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) ﴾الرعد
﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ
أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ
الْغَالِبُونَ ﴾الأنبياء 45
هنا في هذه الآيات تحكي عن الناس وتفاعلهم مع بعضهم ومع قوانين الله، والأرض
هنا تعني مكان عيش الناس (الدولة او المملكة أو القرية أو المدينة) لها حدود ونظام
مستقر وفيهم من يطالب مثلا بالانفصال أو بالاستقلال فتبدأ الدولة أو المملكة بالتفكك
أو فقدان أجزاء منها وهذا يعني إنقاص أطراف الأرض وهي سنة إلهية، فكم من إمبراطورية
كانت مترامية الأطراف إما أنها اضمحلت واندثرت أو انقسمت أوحلت محلها دولة أخرى
والتاريخ الإنساني مليء بذلك...
ومرة أخرى وقع المفسرون في نفس المطب وما زال ورثتهم مصّرين على ذلك بأن ارتداد
الطرف هو تحريكُ الجَفْن والحقيقة ليست كذلك حسب سياق الآية و الحدث ، فلسيدنا سليمان
مملكة و لها حدود أي أطراف وهناك يوجد أناس مرابطون ينتظرون و صول ملكة سبأ و الوفد المرافق لها ، فالذي
عنده علم الكتاب قال له أنا أصنع لك العرش أي نسخة منه قبل وصول هؤلاء المرابطون (قَبْلَ
أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) ليخبروك بأن ملكة سبأ قد بدأت تقترب من الحدود
(مثلا مسيرة يومين قبل وصولها إلى حدود المملكة ) فعند وصولها الى الحدود ودخولها المملكة وقبل وصولها الى القصر(مسيرة أسبوع مثلا) يكون عرش
الملكة ( النسخة ) قد اكتمل صنعه. وهنا فرق كبير بين العفريت
والذي عنده علم الكتاب في سرعة الانجاز لذا أوكل سيدنا سليمان المهمة للثاني.
من هو الذي عنده علم الكتاب؟ كل المفسرون أجمعوا على أنه آصف كاتب سليمان.
وكذا روى محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان: أنه آصف بن برخياء، وكان صديقا لسليمان
يعلم الاسم الأعظم
وقال قتادة: كان مؤمنا من الإنس، واسمه آصف. وكذا قال أبو صالح، والضحاك، وقتادة:
إنه كان من الإنس -زاد قتادة: من بني إسرائيل
وقال مجاهد: كان اسمه أسطوم
وهو رجل من الإنس عنده علم من الكتاب فيه اسم الله الأكبر، الذي إذا دعي به
أجاب. فدعا بالاسم وهو عنده قائم، فاحتمل العرش احتمالا حتى وضع بين يدي سليمان.
فعلم الكتاب هو المعرفة فهذا الرجل هو عارف بمجموعة من العلوم في التصاميم والهندسة
وصناعة القوالب... ولديه فريق من العمّال المهرة يشرف عليهم، وهو أحد مستشاري سيدنا
سليمان (الملأ) الذي يستشيرهم في العديد من القضايا والشؤون التي تهم المملكة، كل له
اختصاصه.
إذا وصلت ملكة سبأ وتم استقبالها ودخلت الصرح (بناء عالي ويتكون من برجين عاليين
عريضين ضمنهما البوابة في الوسط. وكانت البوابة عادة بنصف ارتفاع البرجين العريضين)
ورأت قوة وعظمة مملكة سليمان وختمت هذه الزيارة بمفاجأة وهي العرش﴿ فَلَمَّا جَاءَتْ
قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ...(42) ﴾النمل. وهذه الآية تؤكد
أنه تم ّ صنع نسخة من عرشها﴿ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ
﴾.
هذه القصة لم يقع فيها الخروج عن القوانين الإلهية وهي ليست خيالية وليس
فيها معجزات كما تم تفسيرها وإفهامها لنا وإنما الأحداث هي نتيجة جهود أناس عارفين
عملوا بذكاء.
Subscribe by Email
Follow Updates Articles from This Blog via Email
No Comments