شبهات و بينات - عبدالباسط يحياوي

الاثنين، 24 يونيو 2024

thumbnail

الأرض




لفظ الأرض، عند ذكرنا له أو قراءته يتبادر للذهن وفي أقل من لحظة إلى الكوكب الذي نعيش فيه ، نتيجة شرح الأعراب ولغوهم في هذا المخطوط .، فالأرض لسانيا ليس بالكوكب أو هذا الجرم السماوي ، بل يفيد الرضا والقبول ، فالأرض وأرضى ورضيتم وروضة ورضوان وتراضوا كلّها من راض وهو عبارة عن قرار قوي محاط وموجه ، للفصل والبيان له فعالية ممتدة ، وكما هو معلوم أي شخص يأخذ قرار من أجل الفصل في مسألة ما ، هو قرار تم اتخاذه بعد رضا.
(يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) 21 المائدة. ما المقصود هنا بالأرض المقدسة ؟ هل هي كوكب آخر ؟
قلنا الأَرْضَ هو تلك الحالة من الرضا عن الشيء والذي اتخذناه بعد رؤية ودراسة و المُقَدَّسَةَ هو عمل تام الخواص يضمن لنا تحقيق مطالبنا لما فيه كل الخير لنا بعد ربطه وتوثيقه بشكل نهائي. وعليه الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ هي أفعال وأعمال تمّ الرضا عليها لأنّها ضامنة لنا نحو تحقيق الخير لنا طبعا بعد دراسة وبحث معمقين. وبالتالي الأرض المقدسة ليست لا بأريحا أو القدس أو مصر أو مكة أو تونس... و كُلُّ حِزْبٍ بمَا لَديْهِمْ فَرِحُونَ.
...وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ...لقمان 34 .هذه واحد من المسائل التي لا يعلمها إلا الله ، فقد قالوا أن الإنسان لا يعلم أين سيموت بمعنى بأي أرض / مكان سيموت وهذه المسألة لا يعلمها إلا الله ، علما أن المنتحر سيعلم أين سيموت وكذلك المحكوم عليه بالإعدام سيعلم متى وأين سيموت كذلك بعض المرضى و الذين يطلبون من ذويهم " الموت الرحيم" يعلمون الزمان و المكان الذي سيموتون فيه ، هذا إذا كان مفهومنا للموت مفهوما كلاسيكيا والذي له علاقة بمعاجم اللغو، وليس باللسان العربي المبين.
قلت الموت في أكثر من منشور هو تلك الآلية والتي تمتاز بخواص معيارية من أجل تحديد ماهية العمل لنخرج منه ما نريد بمعنى يعتبر الموت المنطلق لتأليف عناصر كل الأشياء فهو الحيّز الذي نتقلب فيه من أجل تأليف عناصر الحقيقة ، فالموت هو قناة المعرفة والحقيقة التّامة وله ارتباط بالمكان ، فمن منّا لا يرضى بالحقيقة وحالة الرضا التي سنكون فيها ؟
وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُۥ لِيُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِۦ نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ 127 الاعراف . هل صحيح موسى جاء ليفسد في الأرض أي ليسفك الدماء ويهلك الحرث والزرع ويستعبد الناس ؟ هل موسى بعث للخراب و الدمار؟ قول ملأ فرعون ببساطة هو أن موسى وبأفكاره سيغيّر في أفكار الرعية التي كانوا راضين عنها ويحثهم على التمرد على الأوضاع التي هم فيها.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ۝ 38 التوبة
في هذا الجزء من سورة التوبة نلاحظ وجود لفظي الأرض و أرضيتم ، والاثنان لهما معنى واحد فـــ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ هو الثبات في ما أنتم عليه من رضا و أرَضِيتُمْ بهذه الحياة الدنيا التي نعيشها ، التي بين أيدينا أنسيتم بأنكم موكلون ببناء جنتكم في هذه الحياة الدنيا.
﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ 146 الأعراف
الذين يتكبرون في الأرض ، هم من يضنون أنهم أصحاب فكر راق وأنهم يملكون الحقيقة و رأيهم هو الصائب ورضوا بذلك ولن يحيدوا عنه سبيلا ، وكل مخالف لهم أو ناقد لهم ، هو بالنسبة لهم جاهل و كافر ويصغّرون من مستواه ، فهؤلاء تكبروا بالفكر الذي ارتضوه لأنفسهم وهو في الحقيقة موروث فاسد.

هذا باختصار مفهوم لفظ الأرض لسانيا ، و رسالة إلى أصحاب العقول المسطّحة والمتشبثين بأن الأرض مسطحة وأن الله ذكر ذلك ويستشهدون بأجزاء من سور هذا المخطوط ، علما أن هذا المخطوط ليس بكتاب فيزيا أو جغرافيا أو فلك ... بل هو كتاب معرفة يخاطب النفس البشرية وهو ضمن ذواتنا . 

Subscribe by Email

Follow Updates Articles from This Blog via Email

No Comments

About