إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا
يُوحَىٰ ﴿38﴾ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ
فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ
لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ... طه
النبي موسى
وهو رضيع لم يوضع لا في تابوت أو صندوق خشبي أو سلة من القصب ووضع بالماء أو اليم كما
هو متعارف عليه، هذا الفهم أو التفسير، نجده في
العديد من الحكايات والخرافات التي تمت صياغتها وبخبث للتأكيد على أن القرآن لم
يأت بجديد ، وأن القصص القرآني بما فيه قصة النبي موسى مذكورة في كتب أخرى تنتمي
لحضارات سابقة كالإغريقية والهندية وهنود أمريكا اللاتينية وحتى الروايات والحكايات الشعبية لدى بعض
الشعوب الأوروبية ، كلّها تندرج تحت عنوان
" أسطورة ميلاد البطل" وكلّها تقريبا متشابهة بل تصل إلى حد التطابق وتتمحور عموما
حول رؤيا في المنام أو نبوءة وعند تفسيرها من قبل العرّاف l’oracle تعلن أن ميلاد الطفل سيكون سببا في كارثة الأب أو الملك ، هو
المهدد في حياته وعرشه( هي السمّة المشتركة في كل الأساطير ولأكثر شهرة ) ويقوم
بتنفيذ الأمر ( عملية التعريض) هذه ، شخص موثوق به من حاشية الملك وتتمثل هذه
العملية بوضع الرضيع في سلّة أو صندوق مغلق ويلقى في ماء النهر أو البحر ، وللأسف
الشديد لا زال السواد الأعظم من هذه الملّة إن لم أقل كلّهم يصدقون بان النبي موسى
وضع بتابوت وألقي في النهر وبقية القصة معروفة وهي لا تختلف عن بقية الخرافات
الأخرى لأن مفسري القرآن هم نفسهم اختلقوا هذه الخرافات ووزّعوها على بقية الأمم
الأخرى وهذا جزء من تزوير التاريخ .
اليم :
حركة جديدة يقظة ملازمة في البعد الزمني
المستمر حلت بمحل أمر سابق / أمر جديد
التابوت : ورد لفظ
التابوت في موضعين بسورة طه الآية 39 وفي سورة البقرة الأية 248 (وَقَالَ لَهُمْ
نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ
مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ
الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فهل
التابوت في هاتين الآيتين يقصد به صندوق خشبي كما يزعمون ؟ التابوت هو حركة القصد
منها المتابعة و الملاحقة وجاءت ألف المد لترمز للفاعل الحقيقي وهذه الحركة بارزة
وبيّنة انبثقت بقوة عن المركز ( الفاعل الحقيقي) وهذه الحركة تعطينا فكرة أنّها
ذات صفة مكانية ( الواو) فهي واسطة أو وسيلة منفتحة على احتمالين وقوع الفعل أو
عدمه فكانت ( التاء) مفتوحة .
قذف : حركة
مقصودة و بتدبر لغاية أو لهدف معلوم ومقيدة باتجاه معيّن وذلك للبت في وجهتها.
الساحل: انسلال
الحركة خُفيةً في اتجاه واحد ودون إثارة الانتباه حددت بالبداية وتمّ دفعها إلى
نهاتها من أجل غاية.
هنا سؤال يطرح نفسه
بعد معرفتنا للكلمات المفتاحية لهذه الآية ، أين وقعت الحادثة في الخلاء أم في قصر
فرعون ؟ أقول في قصر فرعون أو بالأرض المحيطة بالقصر المهم لا يوجد في الحادثة لا نهر و لا صندوق
خشبي أو سلّة قصب فأم موسى واحدة من الخدم تعمل في قصر فرعون وكانت لها دراية بما
يحدث في القصر ففرعون والذين يأتمرون
بأمره كانوا يرسلون في المدائن بحثا عن الأطفال لتربيتهم و تعليمهم بعيدين عن أهلهم ( أخذهم بالقوة) علوم عصرهم
ليكونوا في المستقبل ركائز حكمه ، بهم يستطيع السيطرة والحفاظ على ملكه ، وأم موسى
تعلم ذلك ولفطنتها اختارت الزمن المناسب و المكان المناسب فهي تعلم جيّدا ذلك بحكم
أنّها تعمل لدى آل فرعون ومتأكدة بأن ابنها لن يفارقها في المستقبل بل سيكون ضمن
حضنها .
بالنسبة
لعملية الوحي، هو عبارة عن
إلقاء علم في الخفاء وهو أحد أنواع المعرفة، وقد جاء في المصحف بعدة أنواع،
من بينها الوحي عن طريق توارد الخواطر، وهذا النوع وارد لكل البشر حتى يومنا هذا وهو عندما يقع
الإنسان في مأزق أو يفكر في مسألة تستحوذ على كل تفكيره، تأتيه فكرة أو خاطرة ما ،
فيها الخروج من المأزق أو حلّ لمشكلة ما وهذا النوع من الوحي له علاقة بالمعرفة
ولا يأتي عشوائيا.
فأم موسى قامت بهذه الحركة
المدروسة بتدبر وراقبت وكلّه بحذر شديد ودون أن تلفت الانتباه ورغم ذلك فهي غير
متأكدة بان العملية سوف تنجح، لذلك أرسلت أخته لتتأكد من ذلك وبقية القصة معروفة ،
فقد نجحت خططتها وضل النبي موسى بأحضانها.
۞وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ
إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ وَجُنُودُهُۥ بَغۡيٗا
وَعَدۡوًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدۡرَكَهُ ٱلۡغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ
إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِيٓ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ
ٱلۡمُسۡلِمِينَ (90)يونس
فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ
فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ
عَنۡهَا غَٰفِلِينَ (136) الأعراف
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (50).البقرة
في هذه الآيات وجب التركيز حين قراءتها
، بنو إسرائيل اجتازوا البحر فتبعهم فرعون وجنوده وآله فغرقوا في اليم ، كيف ذلك ؟
كيف تحول البحر إلى يم ؟ زد على ذلك الآية تقول وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ
وليس فرقنا لكم البحر بمعنى أنكم أنتم يا بني إسرائيل من فرق البحر .
النبي موسى هو مصدر يضم عناصر لجميع الخصائص ووضعها
في موضعها و التي تمكنه من الإسراء والسير وفق مسار مهيمن عليه و بقوة نحو تحقيق
الحق الذي يطلبه و في أجله المقدر. بمعنى أنّه يمثل قمة المعرفة و الوعي وبنو
إسرائيل ما هم إلا خيرة الخبراء وأصحاب المعرفة والنبي موسى يمثل أعلى درجات العلم
وبهم جاوز بحر العلوم والمعرفة ، فالبحر في هذه الآيات و غيرها أغلبها يقصد بها
العلم والمعرفة ، وفرعون ليس كما هو معروف غرق في البحر وبقى جسده ليكون آية ،
فرعون أسلم لله ، أسلم للحجج و البيّنات الثابتة( فَالْيَوْمَ
نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ
النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92 ) يونس ، فرعون خضع لقانون الله وعاش
بقية حياته فيها نوع من الذّل وهذا يحصل في كل زمان ومكان فكم فرعون / طاغية سواء مدير عام أو وزير... عاش بقية حياته مذلول
بعد القضاء عليه وعلى حكمه أو نفوذه إما أن يزجّ بالسجن أو حرمانه من الكثير من
الامتيازات أو تحطيم تماثيله .
وَأَوۡرَثۡنَا
ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا
ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ
إِسۡرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ
وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ (137) الأعراف .
Subscribe by Email
Follow Updates Articles from This Blog via Email
No Comments