شبهات و بينات - عبدالباسط يحياوي

الأحد، 30 ديسمبر 2018

thumbnail

العسل هل فيه شفاء للناس ؟



دعاية من الدعايات الدينية والتي تندرج تحت ما يسمى الإعجاز العلمي للقرآن ، وهو العسل الذي يقولون عنه دواء ويشفي الناس، لأن الله سبحانه و تعالى ذكر ذلك و تحديدا في سورة النحل الآية 65-69  ، وقد ألفت كتب وأنشأت مواقع أبدع أصحابها في وصف ذلك وحللوا هذه المادة ومكوناتها – العسل- بالاعتماد على بحوث غربية وما يحتويه من عناصر كيمائية التي تدخل في تركيبته ، ودعم أصحاب هذا الهراء ( الإعجاز العلمي في القرآن) بروايات و أحاديث منسوبة إلى النبي.واستغل التجّار هذه المسألة وأصبح العسل سلعة غالية و نفيسة ويروج لها ودخلت ضمن القائمة الطويلة للتجارة بالدين مثل التين و الزيتون وأنه فيهما فائدة عظيمة للإنسان و أن خبراء( كفّار)  عرفوا قيمتهما بعد دراسات طويلة و مكثفة وبالنهاية أسلموا والكثير الكثير .. من العجب.
هذه الحالة والفكرة الراسخة لدى هذه الملّة ، هي نتاج للفهم الخاطئ للآية وآيات أخرى التي تمّ تفسيرها من قبل أناس لا يفقهون اللغة العربية ، لأنهم بالأساس هم أعاجم ليس لهم معرفة بكيفية التعامل مع التنزيل الحكيم والضمائر الموجودة في آياته إلى جانب الألفاظ والتراكيب والجمل والسياقات.  لذا عليه فنحن نحتاج أن نفهم اللغة العربية بكل قوانينها وضوابطها وبلاغتها ، فلا ينبغي القول بوجود نقص أو تحريف أو حروف زائدة  في التنزيل الحكيم فهو غير ذي عوج ، فلا ينبغي أن نفترض بوجود مضمر أو وجود نقص في العبارة أو تغيير قوانين اللغة العربية و ما شابه ذلك.
ورد في سورة النحل ما يلي:
لو تأملنا النص وتمت قراءته بتدبر، سنجد أمورا مخالفة لقواعد اللغة العربية ( طبعا حسب التفاسير ) ، من بين هذه الأمور :
نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ حسب قولهم هو إشارة إلى حليب الأنعام ونحن نعلم أن الأنعام مؤنثة ، فكان ينبغي أن تكون على النحو التالي نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِا مثل ما جاء في الآية التالية من سورة المؤمنون وَإِنَّ لَكمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَة نسْقِيكمْ مِمَّا في بطونِهَا وَلكمْ فِيهَا مَنَافِع كَثِيرَ ة وَمِنْهَا تَأْ كلون(21) .
كذلك ( وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا) فالثمرات مؤنثة و(منه) فالهاء ضمير يعود على الثمرات وهذا لا يصح فالمفروض أن تكون الآية  وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُا سَكَرًا وَرِزْقًا هكذا تم تفسير هذه الآية ويعللون ذلك بأنَّ هناك محذوف مقدر وهو )ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه( وهو تكلف واضح.
وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68الفهم المشهور لهذه الآية أن المخاطب هو النحل الذي يخرج من بطونها العسل والذي فيه شفاء للناس ولكن هل هذا صحيح ؟ . لقد استدلوا وأصروا على أن المقصود هو النحل باللفظ التالي وهو يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ قالوا الهاء ضمير يعود على النحل وهي مؤنثة وأن العسل يخرج من بطونها علما أن النحل مذكر  كما أن الحقيقة العلمية تفيد أن العسل لا يخرج من بطون النحل فهو يمر بعدة مراحل قبل أن يصبح عسلا وفي داخل الخلية وليس في بطن النحلة حيث أن النحلة العاملة التي تجمع الرحيق تضعه في كيس خاص وتضاف له إنزيمات معينة تجعله أقرب مرحلة إلى أن يتحول إلى عسل ثم تنقله النحلة العاملة إلى نحلة أخرى موجودة في داخل الخلية تعامله أيضا بإنزيمات ومواد أخرى وتضعه في حجرية صغيرة ليختمر ويصبح عسلا بعد فترة.
لحل المشكلة وفهمها هي  بداية الآية 65 وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ.  فهذه الآية والذي يليها  تريد الحديث عن دور الماء في هذه الأرض، كذلك تركيبة الماء بُطُونِهِ أي مما في بطون )الماء( بمعنى أنَّ الماء لديه قدرات ذاتية تساعد في استخلاص اللبن من بين فرث ودم ويحوله إلى لبن سائغ للشرب ومن آيات الماء الأخرى أنَّكم تتخذون من الماء )مِنْه ( في ثمرات النخيل والأعناب سكرا ورزقا حسنا ، بمعنى أنكم تحتاجون الماء لتخمير هذه الثمار وتحويلها إما إلى حلويات سكرية ينتشي الإنسان بها أو أحماض لتكون بالنتيجة خمورا أو ما شابه ذلك لتؤدي إلى الانتشاء أيضا. فكل هذه الأمور لولا الماء لما تحولتْ.
لنعد إلى آية النحل و العسل ، فالله سبحانه و تعالى أوحى إلى النحل والوحي هنا هو وحي عن طريق برنامج ذاتي ، فهي تدخل في التركيب الجيني للخلايا  لهذه الحشرة وقد جاء الخطاب بالمؤنث لأن النص يريد أن يقول بأنَّ هذا الوحي موجه إلى الملكة التي تختص باختيار المكان سواء على الجبال أو الشجر أو البيوت التي يعرشها لها الناس. ثم بعد ذلك جاء  الخطاب موجه إلى العاملات التي تقوم بعملية الأكل من كل الثمرات وتضعها في غدد خاصة وتضيف لها إنزيمات معينة ثم تنقلها إلى عاملات أخريات في داخل الخلية تقوم عليها بعمل مشابه ثم تجري عمليات أخرى في داخل الخلية تؤدي إلى تكوين العسل.  وهذه هي السبل المطلوب أن تسلكها النحلات بشكل تلقائي آلي مصمم سلفا . فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ليس لها علاقة بصنع العسل.
يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ  هنا إشارة إلى أنَّ ما يخرج هو من بطون الثمرات (بُطُونِهَا ) والإشارة واضحة إلى الأزهار التي ستتحول لاحقا إلى ثمرات وذلك بمساعدة النحل في تلقيحها والتي فيها شفاء للناس، فيتكون بالماء من تلك الثمرات التي تأخذها النحلات شراب مختلف ألوانه باختلاف تلك الثمرات. فالضمير المتصل )ها( لا يعود على النحلات وإنما يعود على الثمرات التي تحدد نوع العسل. ونحن نعرف اليوم أن العسل بأسماء الزهور التي كان النحل يجمع الرحيق منها. عموما كل الثمار وما تحتويه من ماء وسكريات وأملاح... كلها فيها فائدة للناس وبالتالي يمكن أن نستخلص منها أدوية تشفي الناس من الأمراض وليس كما يروج له أن الحديث في الآية يقصد به العسل وأنه دواء... الخ.

Subscribe by Email

Follow Updates Articles from This Blog via Email

1 Comments

avatar

شمع النحل يخرج من بطون النحل وليس العسل العسل يخرج من الفم

Reply Delete

About