ملخَّص ما أوردته المعاجم:
الصَّلَى/ الصَّلَا/ الصلو: هي الأمور التالية:
-
الإيقاد بالنار أو التعريض
لها. وصَلَّى العَصَا على النارِ وتَصَلاَّها: لَوَّحَها وأَدارَها على النارِ ليُقَوِّمَها
ويُلَيِّنَها.
-
صلَّى الرجل: أزال عن نفسه الصلى الذي هو نار الله الموقدة.
-
والصَّلا: وسَطُ الظَّهرِ
من الإنسانِ ومن كلِّ ذي أَرْبَعٍ. (ليقيم استقامة جسمه)
-
الصلاة: الدعاء/ التبريك/ التمجيد/ الرحمة/ الاستغفار
بعد ما عرفنا معنى الصلاة في المعاجم يمكن أن نستنتج أنها عبارة عن "وضع ضوابط ومقاييس معيّنة وذلك لتحديد مسار شيء أو أمر ما للوصول إلى غاية
أو هدف معيّن"، فعندما نقول صلّى فلان العصا على
النار وتَصَلاَّها ليس بهدف حرقها وإنما لتقويمها وتعديلها، وعموما الإيقاد بالنار
لا يهدف الإحراق وإنما التقويم والتخلص من الشوائب والأداة المستخدمة لهذا الغرض
هي الصّلاة.
الصلاة والدعاء:
يقولون إن الصلاة تعني الدعاء والاستغفار، فهذا ضمنيا لكون الصلاة غايتها
التقويم للوصول إلى هدف ما.
ولكن لو استبدلنا مشتقات الجذر صلى في التنزيل الحكيم بمشتقات الجذر دَعَوَ
فإن المعنى سيتغير مثال على ذلك:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ 56الأحزاب
فلو أبدلنا (يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) بالتركيب (يدعون على النبي) فالمعنى
لا يستقيم أبدا ولو حاولنا تغيير حرف الجر إلى آخر مناسب وقلنا (إنَّ الله وملائكتهُ
يدعون للنبي) فإن المعنى كذلك لن يستقيم باعتبار أنَّ الله هو الله فإلى مّن سيوجه دعوته
من أجل النبي؟
كذلك لو كان معنى (الصلاة) هو (الدعاء) لكان المفروض أن يكون التركيب الأصلي
في الآية (يصلون للنبي) ولكن الموجود هو (يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) ولو أنَّنا
قلنا (يدعون على النبي) سيكون الناتج سلبيَّاً لا إيجابياً!
﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا
الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ
وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾ 110الإسراء.
هنا ورد (الدعاء) و(الصلاة) في آية واحدة ولو كان معنى (الصلاة) هو (الدعاء)
فلِمَ لــــَمْ يقل (ولا تجهر بدعائك ولا تخافت به)؟ بدل أن يأتي بلفظة أخرى(صلاة)
فيثير أمامنا شبهة اختلاف المعنى بين المفردتين؟
﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ
قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ
(*) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ
يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا
مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ 38 – 39 آل عمران.
مما يؤكد أن هناك فرق بين الدعاء والصلاة، أن في
هذه الآية تبيّن أن الصلاة في المحراب جاءت بعد الدعاء والطلب وهذا يؤكد وجود فرق بينهما
وأنَّهما ليسا شيئا واحداً البتة. ومع معرفة معنى الصلاة في المحراب، يتأكَّدُ لنا بأنَّ (الصلاة)
لا تعني (الدعاء) بمفهومه المتعارف وإنَّما هي قضية أخرى الى جانب المحراب وسوف اتطرق إليه في بحث آخر، لها دوافعها وظروفها وأهدافها
المتفاوتة عن (الدعاء) تماماً .
لم يأتِ (الدعاء) في القرآن فقط بالمعنى المتعارف بيننا وهو (التوجُّه إلى الله
تعالى وسؤاله عن قضاء حاجات معيَّنة) -وإن كان هذا معنىً عرضيَّاً موجوداً -كما لم
تأتِ ا(لصلوة) بهذا المعنى أيضاً.
فــ الدعاء جاء بمعنى تغيير الواقع إلى حالة أخرى يريدها الداعي. (إلفات النظر،
طلب الإتباع لجهة معيَّنة، طلب للمجيء، السؤال).
أما الصلاة ليست هي الدعاء بالمعنى
المتعارف عليه :فالصلاة هي محاولة تعديل الحركة في نقطة زمانية مكانية (زمكانيّة)
لتكون منطبقة ومنسجمة مع قوانين وسنن أو أعراف، لذا فلا تطابق بين المفهومين.
إنَّ لفظة (الصّلوة) تُشير إلى وقوع (الصلاة في موضع أو مكان معين) و(الصلاة)
تعني وقوع فعل (الصّلا) في نقطة زمكانيَّة محدَّدة.
الصَلاة: محاولة تعديل الحركة في نقطة زمكانيّة للانطباق مع قوانين وسنن أو
أعراف، ومنها حقائق الوجود وكمالاته المتعلقة بالحركة، عبر وضع محدِّدات وضوابط وقواعد
وقوانين إجرائية معيَّنة.
والتسبيح هو الحركة المنطبقة والمنسجمة مع قوانين الله وحقائق الوجود وهذا
هو هدف الصلاة وهو بلوغ حالة التسبيح.
أنواع الصلاة:
هناك مصلين و هناك مقيمي الصلاة
والتفاسير و كتب الفقه لم تبيّن معنى المصطلحين فصلّى من الصلّة وعكسها
تولّى ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ (31)وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (32)﴾ القيامة أو﴿ إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ(1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر(2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) ﴾الكوثر ﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) المدثر﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَــصَلَّىٰ (15) ﴾الأعلى. ولم يقل وصلى فصلى(الدعاء) .
-
الصّلاة الاجتماعية: وهي الصلاة التي تساعد الناس بالقوانين الإلهية ( المحرمات ) على أن يضعوا
قوانين لحماية المجتمع وتوجيهه نحو الصلاح والكمال. وقد وردت الإشارة إليها في النسبة
الأكبر من الآيات التي تحدثت عن الصلاة.
-
الصّلاة الروحيَّة النفسية: وهي أرقى أنواع الصلاة والتي ينبغي بالإنسان الوصول إلى الإلتزام بها والمداومة
عليها نفسيَّاً بصورة تلقائية من خلال استحضار القوانين الإلهيَّة في كلِّ لحظةٍ، حتى
يصبح الإنسان داخل إطار القوانين الإلهَّية دوما وهو ما يعبر عنه القرآن (ولذكر الله
أكبر) في قوله ﴿ (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَوةَ
إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ 45العنكبوت. وقد وردت الإشارة إليها في عدد من
الآيات التي تحدثت عن الصلاة من مثل:
﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ (*) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ
(*) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (*) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
(*) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (*) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ
رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (*) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (*) وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (*) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ
فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (*) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْعَادُونَ (*) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (*) وَالَّذِينَ
هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (*) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ
(*) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ 22- 35 المعراج.
في سورة المعراج حيث جاءت الإشارة إلى الصلاة الروحية في الآية 23 (الَّذِينَ
هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) بينما وردت الإشارة إلى الصلاة الاجتماعيَّة في
الآية 34 (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) في إشارة إلى أنَّهم أكثر
الناس إلتزاماً بالقوانين المنظمة لحياة المجتمع،
إذا الصلاة مشتقة من الجذر (صَلى) والذي يعني تعريض شيء لطاقة معينة من أجل
ضبطه ضمن حدود معيَّنة للوصول به إلى مواصفات محدَّدة وتنقيته من الشوائب ، والعبد
إنَّما يَصْلي نفسه بالصلاة الشعائرية، ويصليه المجتمع بالصلاة الاجتماعية، حتى يتقوِّم
بطاقة الله وبنوره في صلاته الروحية ويتقوم بالقوانين والإجراءات المفروضة لتنظيم حياة
المجتمع، ويصبح على الصراط وضمن سبيل الله، لذلك ورد قوله في النصِّ القرآني:
﴿
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَوةَ
إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ 45﴾العنكبوت
فالإنسان في مجتمعه سيستقيم بالضوابط القانونية والإجراءات الرادعة والعقوبات
ليكون مؤمنا حقيقيا (مواطنا صالحاً) يُعطي للمجتمع ما له عليه ويأخذ منه ما له من الحقوق.
وقد توعد الله سبحانه وتعالى الذين قطعوا صلتهم بالله والمجتمع في قوله﴿
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ
(2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ
هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ
(7) ﴾الماعون.
و المجرمون بلغة العصر هم الملحدون ، الذين لا يؤمنون بالله و لا بيوم
البعث إلى جانب علاقتهم السيئة مع المجتمع ، فهذه الفئة في يوم الحساب يسألون عن
سبب وجودهم بالنار﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ
(39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي
سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ
(44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ
(46) حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ (47) ﴾ المدثر.
فمسألة الصلاة لا علاقة لها بالركوع والسجود (الصلاة الشعائرية) وإنما
الصلاة المقصود بها هنا، هي الصلاة الاجتماعية إلى جانب عدم إيمانه بالله ويوم
البعث، فهذه الفئة قطعت صلتها مع الله والمجرمون مشتقة من جَرَمَ أي قطّع لذلك
نطلق على الكواكب أجرام سماوية لأنها
مقطّعة وكذلك مع المجتمع ( الإجرام بأنواعه...) .
فهل من المعقول أن المقصود فَوَيْلٌ
لِّلْمُصَلِّينَ هو الذي لا يصلي العصر أو الظهر وسهى عن ذلك و في نفس الوقت لا
يؤمن بيوم القيامة وملحد ( مصلي و ملحد) زد على ذلك بداية الآية تدل على الفئة
المعنية بالأمر ولا علاقة لها بقيام الصلاة أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ.
والمجرم أي الملحد وعدم إيمانه بالله، أمره مفوض لله، ولا يحق للمجتمع أن
يحاسبه فالتدين ظاهرة فردية أما القيّم الإنسانية هي ظاهرة اجتماعية والدولة أو
السلطة لا علاقة لها إطلاقا بالشعائر و فرضها على الناس فقط في حالة أنه ارتكب المحرمات(القانون الإلهي) وخالف القوانين (قطع
صلته بالمجتمع) هنا يتدخل المجتمع ويحاصره ويعاقبه.
الصلاة على النبي:
يقولون الصلاة على النبي هي القول أو التلفظ بكلمات وهي أنواع:
-
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد
وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.هذا نوع
-
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك
حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد، هذا نوع ثاني
-
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى
آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .هذا نوع ثالث
-
نوع آخر: (اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ،
وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد)،
وهكذا كل نوع ثبت عن النبي إذا أتى به حصل به المقصود، وإن اختصر وقال: اللهم صل
وسلم على رسول الله، كفى الحمد لله، اللهم صل وسلم على رسول الله عند ذكره.
ولكن هناك أنواع أخرى نسمعها
(اللهم صلِّ على محمد وآل محمد)- (الصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه)- (اللهم
صلِّ على محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتخبين) فأي عبارة على الأقل علينا
قولها ؟ والمشكلة كل طائفة و كل مذهب تقول صلاتنا على النبي هي الأصح .
ثم تبدأ رحلة الدعاية ، ملصقات وصور
بكل الألوان وبخطوط جميلة وبراقة... تباع على قارعة الطريق أو تمّ إلصاقها
في وسائل النقل أو تراها في المواقع الاجتماعية و ويطلبون منك أن ترسلها وفيها
فائدة و خير وحسنات فالمصلي عليه له عشر درجات. و يغفر له عشر سيئات وكذلك هي السبب في شفاعة النبي له يوم القيامة. ...إلخ و أن الله أمرنا بذلك لأنه سبحانه وتعالى وملائكته قد صّلوا عليه
وسلّموا تسليما ، لما له من مكانة عظيمة فهو القدوة
الأولى والحسنة لنا، وخاتم الأنبياء، وسيد البشرية، وخير الأنام، ووصف قبل بعثته
بالصادق الأمين، خلق عظيماً، وبعث عظيماً ومات عظيماً، لذلك جعلت الصلاة عليه
مقرونة ومرتبطة باسمه، عند ذكر اسم سيدنا محمد أمام أي مسلم، يلحقه فوراً
بـ"صلى الله عليه وسلم" ، أو "عليه أفضل الصلاة والتسليم".
لقد فهموا الآية في سورة الأحزاب﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا (56) ﴾ و أن معنى صلاة الله على نبيه هي :
-
ثناؤه عليه وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم طلب ذلك له من الله تعالى،
والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة.
-
الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، وذكره بأوصافه الجميلة عند
الملائكة، هكذا صلاة الله على عبده ( كتب التفسير والفقه ).
الصلاة على النبي لا علاقة لها "بالصلاة الشعائرية " أو الصلاة الاجتماعية أو
ذكر أوصافه أو التلفظ باسمه.
كما قلنا صَلَيَ وهي إحدى مشتقات
الصلاة والذي يعني تعريض شيء لطاقة معينة من
أجل ضبطه ضمن حدود معيَّنة للوصول به إلى مواصفات محدَّدة وتنقيته من الشوائب، وما
محمد(ص) إلا كسائر البشر وفي نفس الوقت هو كبقية الأنبياء يتعرض للنور الإلهي وتصلّيَته
به من باب الرحمة والربوبية وذلك لتخليصه من الشوائب وما يشوبه من الاعوجاج
لمساعدته في البقاء على الصراط ونيل رضا الله بدءاً من تعريضهِ للنور الإلهي لتطهيره
وإخراجه من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة والتوحيد. وهناك العديد من الشواهد
في التنزيل الحكيم تدعم ذلك، فتحذيره وإرشاده والالتزام بما يعلم وعدم الإفتاء بما
لا يعلم ... هذا كله يدخل ضمن دائرة المعرفة والعلم (دائرة النور الإلهي)، هذه
كلها صلاة الله وملائكته على النبي حيث تساهم في تقويمه وإبقائه ضمن المحدِّدات الإلهية
المطلوبة.
عملية معرفة النبي كيفية التعامل مع قومه والتصرف بجدية مع المتقاعسين من أصحابه
والمتخلّين عن مسؤولياتهم أو تحذيره بأن يتصور نفسه أنه يشفع للناس من ملّته و أنه
يخلّص من يحب من عذاب النار وغيرها من الأمور كلها تعتبر نوع من الصلاة من الله تعالى
وملائكته على النبي.
أما الجزء الثاني من الآية﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، فموجهة للذين عاصروه والذين جاؤوا من بعده ولكن بطريقة
مختلفة. فالذين عاصروه مطلوب منهم أن ينصحوه و يرشدوه إلى ما لا يليق به ،
كالانحياز مثلا في حكم ما بين متنازعين وذلك عبر النقد البنّاء والطاعة بالمعروف
وهذا هو دورهم الاجتماعي ومسؤوليتهم تجاهه بالنصح والإرشاد والإعانة على أداء دور النبوة
على أكملِ وجه ، نجد ذلك في الآية التالية﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ
الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ
وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ
بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ 12الممتحنة .ففيها
جملة من الأمور موجهة للنساء اللاتي يردن مبايعة النبي و الوقوف معه في نشر الدعوة
، من بين هذه الأمور عدم المعصية فقط في أوامر النبيّ المقبولة و المنطقية وَلَا يَعْصِينَكَ
فِي مَعْرُوفٍ أما إذا لم يكن كذلك فمن حقهن الرفض وعدم الطاعة وهذا نوع من الصلاة
على النبيّ.
كذلك عدم المبالغة والغلو في صورته الشخصية، لأن هذا باب من أبواب الشرك
بالله ، فهم مطالبون بعدم المبالغة وتصورهم بأنه يعلم كل شيء ولديه الحلول لكل
شيء، لذا فهم مدعوون إلى تنقية هذه الصورة عن النبي محمد في عقولهم وقلوبهم ومحاولة
الإبقاء عليها نقيَّة بشريَّة بحيث يتم فيها التمييز بين شخصية الرسول المعصومة في
تبليغ الرسالة، وبين شخصية النبي العلمية التي مهما تكاملت واتسع العلم فيها فإنَّها
تبقى محدودة، يقول تعالى:
﴿
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ
رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾85الإسراء.
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ
وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ
السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾188الأعراف.
كذلك أهل الكتاب وردت الوصيّة لهم بأن لا يغالوا ولا يقولوا في أنبيائهم إلا
الحق، كما في قوله تعالى:
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ
إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ
أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا
ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ
يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ
وَكِيلًا﴾ 171النساء
المؤمنين الذين جاءوا بعد وفاة النبي مطالبون أيضا بالصلاة عليه. ولكن كيف يتم
لهم ذلك وهم لم يعاصروه؟ هي ذهنية وعقلية تهدف إلى معرفة شخصيَّة النبي على حقيقتها وعدم المبالغة
والمغالاة ،والهدف من ذلك هو تنقية شخصية النبي العالقة في أذهانهم من الأوهام
التي تم توارثها وما نسمعه ونشاهده تؤثر على فهمنا له. فإذا صلَّينا عليه ، أزلنا
من أذهاننا هذه الأفكار الغالطة في ما يخص
شخصيات الأنبياء والرسل ونفهم وندرك دورهم الهادي في الحياة، وبالتالي سيخرجنا الله
تعالى بهذه الصلاة على النبي من الظلمات إلى النور. فمحمد هو نبي لا يختلف عن سائر الناس بشيء سوى علم النبوة. فالنبوة
ما هي إلا مقامٌ علميٌّ، والله وملائكته يصلّون على النبيِّ وعلى سائر المؤمنين فهو
تعالى يقول في الآية 43 من نفس سورة الأحزاب: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ
مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ .
لقد فهموا هذه الآية بأن الله يرحم
المؤمنين ويثني عليهم، وثناء الله على عبده عند الملائكة هو ذكر أوصافه الجميلة
العظيمة، هذه صلاة الله على عبده، ويدخل فيها أيضاً رحمته لعباده، وإحسانه إليه..
أما اليوم فالمتابع لأوضاع
(المسلمين) يلاحظ أن هناك فرق كبير بين شخصية النبي التي رسمها التنزيل الحكيم
وبين الصورة التي رسمها الناس في أذهانهم وبشكل فردي، وما الاختلاف الكبير والشاسع
بين آراء الفقهاء ورجال الدين من مختلف المذاهب والمدارس، حول ما يصح وما لا يصح عن
النبي إلا دليل دامغ على ذلك ، ففي كل طائفة أو مذهب تسمع و ترى العجب العجاب عن
صورة و شخصية النبي التي كونوها ، فقد وصل بهم الأمر إلى تأليهه عدا الروايات و
أعماله العجائبية ، وهذا راجع إلى جهل وحشو عقل المؤمن من أفكار في فهم شخصية النبي و حياته والرسالة التي جاء
بها ، فكل هذا لا علاقة لله بذلك . لذا من
الواجب التخلص من هذه الأفكار الراسخة في الأذهان
وهو وَهمٌ تمت صناعته ولا دخل كما قلت الله سبحانه وتعالى ولا
النبي في ذلك مما يؤدي إلى تحويله لوثن .
فشخصية الرسول ليس عليها خلاف بين كافة المذاهب وبين ما بيّنه التنزيل
الحكيم بأن الله قد عصمه كباقي الرسل في تبليغ الرسالة ، أما الخلاف هو حول شخصية
محمد كنبي وكإنسان وهو مثله مثل بقيه الناس ينبغي أن ينال الجنة لما تعرض له من
امتحان و محن وابتلاء والعمل الصالح كبقية سائر الناس قال تعالى : ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ
أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ
الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
* قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ 11- 14الزمر.
لقد وصل الغلو بين (المسلمين) واختلفوا هل أن محمد كإنسان ونبي في نفس
الوقت و أنه معصوم عصمة كونية؟ وقد أجابنا الله سبحانه وتعالى وأرشدنا إلى أن نصلي
على النبي وأكّد انه نبي ويحتاج إلى الصلاة عليه ليبقى على الصراط في حياته وبقاء
صورته خالية من كل غلو سواء في حياته أو بعد مماته.
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ليس بالمعنى المتعارف عليه وهو قولنا " السلام
عليكم " أو " عليه الصلاة و
السلام "وإنما "الإسلام والتسليم
" و القبول بالأمر فالله تعالى وبعد أن أمر بالصلاة على النبي ، طالبَ
(الذين آمنوا) - والمؤمنون من بعدهم بالتبعية الفكرية والعقائدية - بالتسليم لهذا الأمر
وليس بالسلام على النبي محمد! ولو أنَّه تعالى أراد معنى (التحيّةَ والسلام عليه) لقال
"وسلموا سلاما". قال تعالى﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ
قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا
زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾22الأحزاب. أي أن المؤمنين ازدادوا
إيمانا بالله وبرسوله والقبول بالقانون الإلهي (تسليما) كذلك في قول الله تعالى﴿
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾65النساء.
هنا فيه دعوة إلى المؤمنين الذين يرغبون في تحكيم النبي فيما شجر بينهم من الاختلافات
ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً في قبول حُكم النبي ويسلِّموا لذلك الحكم تسليماً.
فالرسول لديه رسالة سماوية ويتحدث باسم السماء، فهو يسعى لهداية الناس ودفعهم إلى
التوحيد والخضوع لله كقانون لا يعرف المحاباة والميول والمحسوبية.
الصلاة على محمد:
مما تقدَّم ذكره عرفنا أن الصلاة على النبي محمد لا تعني القول باللسان
وإنما هي عبارة عن ممارسة ذاتية ومعرفية هدفها البعد كل البعد عن أية مبالغة وغلو،
Subscribe by Email
Follow Updates Articles from This Blog via Email
No Comments